للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ آخَرَ بِلَا إذْنٍ وَكَانَتْ مَوْجُودَةً عَيْنًا فَلِلْمُسْتَوْدَعِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا فَإِنْ لَمْ يَسْتَرِدَّهَا وَهَلَكَتْ بَعْدَهُ يَعْنِي بَعْدَ الْإِيدَاعِ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَإِذَا كَانَ هَلَاكُهَا حَصَلَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ لِلْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ الْأَوَّلَ تَرَكَ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

صُورَةُ الضَّمَانِ، هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إعْطَاءِ الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ مِثْلَ الْوَدِيعَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِيمَتَهَا يَوْمَ وُقُوعِ تَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي إنْ كَانَتْ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٧٠٣) .

غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَيْدَانِ وَشَرْطَانِ فِي لُزُومِ الضَّمَانِ:

الْقَيْدُ الْأَوَّلُ: لُزُومُ الضَّمَانِ بِهَذَا التَّقْدِيرِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ شَرْحًا يَكُونُ فِي صُورَةِ هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ لِلْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي. وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ. وَعَدَمُ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي نَاشِئٌ عَنْ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ الْمَذْكُورَ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ الْأَمِينِ وَعَدَمُ لُزُومِهِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ نَشَأَ عَنْ عَدَمِ تَرْكِهِ الْحِفْظَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي وَلَمْ يُفَارِقْهُ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ بَاقِيَةً فِي حِفْظِهِ أَيْضًا وَبَقِيَ رَأْيُهُ حَاضِرًا وَمَوْجُودًا. وَأَمَّا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ فَحَيْثُ إنَّ الْمُسْتَوْدَعَ تَرَكَ الْحِفْظَ الَّذِي الْتَزَمَهُ يَلْزَمُ الضَّمَانُ. عَلَى مَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٨٤) .

كَذَلِكَ لَوْ سَلَّمَ شَخْصٌ لِآخَرَ فِي الْقُدْسِ أَمْتِعَةً وَتَعَهَّدَ ذَلِكَ الْآخَرُ بِنَقْلِ الْأَمْتِعَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى حَيَوَانِهِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى حَلَبَ وَبَعْدَ أَنْ حَمَلَهَا عَلَى الْحَيَوَانِ أَعْطَاهَا لِشَخْصٍ آخَرَ فَهَلَكَتْ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ يَضْمَنُهَا الْآخَرُ الْمَذْكُورُ.

كَذَلِكَ إذَا أَعْطَى شَخْصٌ شَخْصًا آخَرَ مَالًا عَلَى أَنْ يُودِعَهُ عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ النَّاسِ فَسَلَّمَ الشَّخْصُ الْآخَرُ الْمَالَ الْمَذْكُورَ إلَى فُلَانٍ قَائِلًا لَهُ: إنَّ الشَّخْصَ الْفُلَانِيَّ أَرْسَلَ لَك هَذَا الْمَالَ وَدِيعَةً وَبَعْدَ أَنْ قَبِلَهُ فُلَانٌ الْمَارُّ الذِّكْرِ أَعَادَهُ إلَى الشَّخْصِ الْآخَرِ وَهَلَكَ بِيَدِهِ يَضْمَنُ فُلَانٌ الْمَذْكُورُ. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَئِمَّةُ فِي لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي. وَإِلَيْك الْبَيَانُ: إذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ آخَرَ بِلَا إذْنٍ كَمَا أُوضِحَ سَالِفًا وَهَلَكَتْ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُشَارِ إلَيْهِ حَيْثُ إنَّ مُسْتَوْدَعَ الْمُسْتَوْدَعِ قَبَضَ الْوَدِيعَةَ مِنْ يَدِ أَمِينٍ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا. وَأَمَّا مُودَعُ الْغَاصِبِ فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّ مُودَعَ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ أَيْضًا (الْبَحْرُ) .

وَأَمَّا الْإِمَامَانِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَجَعَلُوا الْمُودِعَ مُخَيَّرًا بَيْنَ تَضْمِينِ الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ وَتَضْمِينِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي. وَفِي مَذْهَبِهِمْ فِي صُورَةِ تَضْمِينِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي يَكُونُ لِهَذَا الْأَخِيرِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى الْإِيضَاحَاتِ الْمَسْرُودَةِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٦٥٨) . وَأَمَّا فِي تَقْدِيرِ تَضْمِينِ الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِهِ أَصْبَحَ مَالِكًا الْوَدِيعَةَ بِضَمَانِهِ فَيَكُونُ أَوْدَعَ مَالَهُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٧٧٧) . مَا لَمْ يَكُنْ هَلَاكُ الْوَدِيعَةِ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي بِتَعَدٍّ أَوْ بِتَقْصِيرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>