وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْفِقْرَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ عَالِمًا الْوَدِيعَةِ وَكَانَ الْمُوَرِّثُ الْمُسْتَوْدَعُ وَاقِفًا عَلَى عِلْمِ وَارِثِهِ هَذَا فَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ بَيَانُ وَتَقْرِيرُ حَالِ الْوَدِيعَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ (الْبَزَّازِيَّةُ) . يَعْنِي أَنَّهُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَحْصُلُ التَّجْهِيلُ بِالسُّكُوتِ عَنْ الْبَيَانِ وَالتَّقْرِيرِ تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَرَدَ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ التَّوْصِيفُ وَالتَّفْسِيرُ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّ كَلَامَهُ لَا يُقْبَلُ إذَا لَمْ يَصِفْ وَيُفَسِّرْ. وَبِمَا أَنَّ الْفِقْرَةَ الْأَخِيرَةَ مُتَمِّمَةٌ لِهَذِهِ الْفِقْرَةِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي الْأَخِيرَةِ وَأَمَّا (إذْ قَالَ الْوَارِثُ: نَحْنُ نَعْلَمُ الْوَدِيعَةَ فَقَطْ) .
إفَادَةٌ: مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ إذَا كَانَ مُسْتَوْدَعًا بِلَا أَجْرٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَوْدَعًا بِالْأَجْرِ وَتَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ ضَاعَتْ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّرُ مِنْهُ فَيَلْزَمُ تَنْفِيذُ حُكْمِ الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (٧٧٧) .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً عَيْنًا فِي تَرِكَةِ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذَا الْأَخِيرُ حَالَ الْوَدِيعَةِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِاطِّلَاعِ الْوَارِثِ عَلَيْهَا فَحَيْثُ إنَّهُ يَكُونُ تُوُفِّيَ مُجْهِلًا يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ كَسَائِرِ دُيُونِهِ أَيْ الدُّيُونِ الَّتِي تَرَتَّبَتْ بِذِمَّتِهِ فِي حَالَةِ صِحَّتِهِ يَعْنِي تُؤْخَذُ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ وَيُؤْخَذُ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ عَلَى الْمِثْلِيَّاتِ. وَإِلَّا فَهَذَا الدَّيْنُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ دَيْنِ الْمَرَضِ. وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْشَكَتْ أَنْ تَفْسُدَ وَلَا تَسْتَقِيمَ مُدَّةً طَوِيلَةً كَالْعِنَبِ وَالْبِطِّيخِ. فَلِلْمُودِعِ أَنْ يَبِيعَهَا بِسِعْرِهَا الْحَاضِرِ أَوْ يَأْكُلَهَا وَيَضْمَنَ قِيمَتَهَا (الْأَنْقِرْوِيُّ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَفِي قَوْلِهِ: كَدُيُونِهِ السَّائِرَةِ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ غَرِيمَةً يَدْخُلُ الْمُودِعُ أَيْضًا بَيْنَ الْغُرَمَاءِ. وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْمُودِعِ امْتِيَازٌ مَا عَنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْمَجْهُولَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ وَلِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ صَارَ بِالتَّجْهِيلِ مُسْتَهْلِكًا لَهَا تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَكَمَا يَدْخُلُ الْمُودِعُ فِي الْغُرَمَاءِ فَلَوْ تُوُفِّيَ الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ أَنْ اسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ إثْبَاتَ قِيمَةِ الْوَدِيعَةِ لَازِمٌ عَلَى الْمُودِعِ فَإِنْ لَمْ يَقْتَدِرْ عَلَى الْإِثْبَاتِ فَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ مَعَ الْيَمِينِ لِلْوَرَثَةِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) رَاجِعْ الْمَادَّةَ (٧٦) . وَإِذَا تَبَيَّنَ الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ يُوجَدُ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فِي دُكَّانِي كِيسٌ يَحْتَوِي عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ النُّقُودِ وَلَا أَعْلَمُ عَدَدَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الدُّكَّانِ بَعْدَ وَفَاتِهِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذَا تَجْهِيلٌ أَيْضًا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْفِقْرَةِ الثَّالِثَةِ وَالْفِقْرَةِ الرَّابِعَةِ السَّالِفَتَيْ الذِّكْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ وَهِيَ: إذَا أَوْدَعَ شَخْصَانِ عِنْدَ رَجُلٍ أَلْفَ قِرْشٍ وَتُوُفِّيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ تَارِكًا وَلَدًا لَهُ وَادَّعَى الْوَاحِدُ الشَّخْصُ أَنَّ الِابْنَ الْمَرْقُومَ اسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا هِيَ الْوَدِيعَةُ فَاَلَّذِي ادَّعَى اسْتِهْلَاكَ الِابْنِ حَيْثُ إنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُودِ الْوَدِيعَةِ عَيْنًا حِينَ وَفَاةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ بِحَسَبِ الْفِقْرَةِ الثَّالِثَةِ بَلْ يَضْمَنُ الْمَرْقُومُ لَدَى الْإِثْبَاتِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ. يُطْلَبُ شَيْئَانِ فِي التَّجْهِيلِ. فُهِمَ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْمَسْرُودَةِ أَنَّهُ يُطْلَبُ شَيْئَانِ فِي تَجْهِيلِ الْوَدِيعَةِ. الْأَوَّلُ عَدَمُ بَيَانِ الْمُسْتَوْدَعِ حَالَ الْوَدِيعَةِ. بِنَاءً عَلَيْهِ الْمُسْتَوْدَعُ حَالَ الْوَدِيعَةِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ أَيْضًا. وَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ أَعْلَاهُ هُوَ هَذَا.
الثَّانِي عَدَمُ مَعْرِفَةِ الْوَارِثِ بِحَالِ الْوَدِيعَةِ. يَعْنِي إذَا لَمْ يُبَيِّنْ وَيُقَرِّرْ الْمُسْتَوْدَعُ حَالَ الْوَدِيعَةِ فِي حَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute