وَقَدْ أُثْبِتَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: بِالْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْقَائِلِ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» .
الْوَجْهُ الثَّانِي: بِمَا أَنَّ الْمُسْتَعَارَ قَدْ أُخِذَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ " اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الرَّهْنِ " وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَادَلَةِ " اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ سَوْمِ الشِّرَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ، فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَدِّي بِإِذْنِهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٨٨١) أَلَا تَرَى لَوْ أَذِنَ أَحَدٌ بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَأَتْلَفَهُ الْآخَرُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُتْلِفَ ضَمَانٌ (مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ) وَعِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ لَوْ تَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ فِي أَثْنَاءِ الِانْتِفَاعِ الَّذِي أَذِنَ بِهِ لِلْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ أَمَّا إذَا تَلِفَتْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَوْ حَصَلَ التَّلَفُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ (الْبَاجُورِيُّ) .
وَتُسْتَفَادُ مِنْ إطْلَاقِ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ سَوَاءٌ أَكَانَ تَلَفُ الْعَارِيَّةِ ظَاهِرًا أَمْ خَفِيًّا عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ تَلَفَ الْمُسْتَعَارِ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَهُوَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (١٧٧٤) . كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ رَدَّ الْعَارِيَّةِ لِلْمُعِيرِ وَكَذَّبَهُ الْمُعِيرُ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُسْتَعِيرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَلَوْ شُرِطَ الضَّمَانُ مَثَلًا لَوْ عُقِدَتْ الْعَارِيَّةُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنًا إذَا تَلِفَ الْمَالُ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ عَلَى تَقْدِيرِ التَّلَفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. وَذَلِكَ كَاشْتِرَاطِ الضَّمَانِ فِي الرَّهْنِ فِي حَالِ التَّلَفِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٨٢) (الْبَحْرُ) .
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ: لَقَدْ جَاءَ فِي (أَشْبَاهِ ابْنِ نُجَيْمٍ) عَنْ ذِكْرِهِ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَى قَاعِدَةِ (الْعَادَةُ مُحْكِمَةٌ) (لَوْ اُشْتُرِطَ) ضَمَانُ الْعَارِيَّةُ إذَا تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ يَصِحُّ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ عَلَى رِوَايَةٍ نَقْلًا عَنْ (الزَّيْلَعِيّ، وَالْجَوْهَرَةِ) وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ وَالْمُفْتَى بِهِ كَمَا بَيَّنَهُ الْحَمَوِيُّ نَقْلًا عَنْ (قَاضِي خَانْ) هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ لَا حُكْمَ لَهُ وَبِمَا أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ ذَكَرَتْ عَدَمَ الضَّمَانِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ آنِفًا وَبِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (٦٤) يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهَا قَدْ اخْتَارَتْ الْقَوْلَ بِأَنْ لَا حُكْمَ لِلشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا الْمَبْدَأِ قَدْ سِرْنَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَإِيضَاحِهَا.
الْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى كَوْنِ الْعَارِيَّةُ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ: أَوَّلًا: مَثَلًا إذَا سَقَطَتْ الْمِرْآةُ الْمُعَارَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَعِيرِ قَضَاءً أَوْ زَلَقَتْ رِجْلُهُ فَسَقَطَتْ الْمِرْآةُ وَانْكَسَرَتْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ بَغْلًا فَصَارَ أَعْرَجَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ.
ثَانِيًا: لَوْ رَبَطَ الْمُسْتَعِيرُ الْبَغْلَ الْمُسْتَعَارَ بِحَبْلٍ حَسَبَ الْعَادَةِ فَاخْتَنَقَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ مُعْتَادَةٌ.
ثَالِثًا: لَوْ دَخَلَ أَحَدٌ الْحَمَّامَ وَأَخَذَ فِي الِاغْتِسَالِ فَسَقَطَ الْإِنَاءُ مِنْ يَدِهِ وَتَشَوَّهَ لَا يَضْمَنُ أَحْكَامُ الْعَارِيَّةُ وَضَمَانُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute