قِيلَ " بِتَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ ": أُشِيرَ بِهَذَا الْقَيْدِ إلَى أَنَّ نِيَّةَ التَّعَدِّي الْمُجَرَّدَةَ بِلَا فِعْلٍ لَيْسَتْ مُوجِبَةً لِلضَّمَانِ (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ٢) .
مَثَلًا لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ فَرَسًا وَنَوَى عَدَمَ إعَادَتِهَا لِصَاحِبِهَا ثُمَّ تَرَكَ هَذِهِ النِّيَّةَ، يُنْظَرُ، فَإِذَا كَانَ رَاكِبًا عَلَى تِلْكَ الْفَرَسِ وَسَائِرًا بِهَا لَزِمَ الضَّمَانُ إذَا تَلِفَتْ الْفَرَسُ بَعْدَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ قَدْ اقْتَرَنَتْ بِالْفِعْلِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَ النِّيَّةِ وَاقِفًا، أَيْ غَيْرَ سَائِرٍ بِالْفَرَسِ، ثُمَّ سَارَ بَعْدَ النِّيَّةِ وَتَلِفَتْ الْفَرَسُ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْفِعْلِ.
وَيُوَضَّحُ التَّعَدِّي أَوْ التَّقْصِيرُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي كَتَلَفِ الدَّابَّةِ بِكَبْحِهَا بِاللِّجَامِ أَوْ إتْلَافِ عَيْنِهَا أَوْ تَلَفِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَعَارَةِ لِلرُّكُوبِ عَلَيْهَا إلَى مَحِلٍّ مَعْلُومٍ بِحَبْسِهَا فِي الْبَيْتِ أَوْ بِأَخْذِهَا إلَى مَحِلٍّ آخَرَ لِلسَّقْيِ أَوْ بِتَحْمِيلِهَا حِمْلًا يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُطِيقُهُ أَوْ بِاسْتِعْمَالِهَا لَيْلًا نَهَارًا أَوْ بِاسْتِعْمَالِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَعَارَةِ لِحَرْثِ أَرْضٍ فِي أَرْضٍ أُخْرَى أَقْسَى تُرْبَةً مِنْهَا وَمَا مَاثَلَهَا مِنْ الْأَحْوَالِ فَيُعَدُّ تَعَدِّيًا، وَكَذَلِكَ بِضَيَاعِ الدَّابَّةِ بِتَرْكِهَا فِي الزُّقَاقِ وَدُخُولِ الْمُسْتَعِيرِ الْبَيْتَ أَوْ الْمَسْجِدَ بِحَيْثُ لَا تُرَى أَيْ تَغِيبُ عَنْ نَظَرِهِ فَيُعَدُّ ذَلِكَ تَقْصِيرًا فِي الْحِفْظِ سَوَاءٌ أَرَبَطَهَا فِي الْبَابِ أَمْ لَمْ يَرْبِطْهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مَتَى جَعَلَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ تَغِيبُ عَنْ نَظَرِهِ فَيَكُونُ قَدْ أَضَاعَهَا. أَمَّا إذَا لَمْ تَغِبْ عَنْ نَظَرِهِ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ أَرْسَلَ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ الْعَارِيَّةَ لِتَرْعَى وَتَلِفَتْ فَلَا يَضْمَنُ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ أَنْ تُرْسَلَ لِلرَّعْيِ وَاذَا كَانَتْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ مُشْتَرَكَةً ضَمِنَ (الْبَحْرُ) (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٤١) وَعَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ التَّعَدِّيَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ قَدْ وُضِّحَ آنِفًا وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُهُ فِي الْأَمْثِلَةِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْمَجَلَّةِ فَفِي الْمَوَادِّ (٨١٥ و ٨١٦ و ٨١٧ و ٨٢٠ و ٨٢١ و ٨٢٣ و ٨٢٥ و ٨٢٦ و ٨٢٧ و ٨٢٨ و ٨٢٩) قَدْ حُرِّرَ أَيْضًا (الْبَحْرُ) .
٣ - جَاءَ " بِأَيِّ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، يَعْنِي لَوْ تَلِفَ الْمُسْتَعَارُ بِتَعَدِّي الْمُسْتَعِيرِ أَوْ تَقْصِيرِهِ مَرَّةً أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهِ نُقْصَانٌ أَوْ لَوْ لَمْ يَحْدُثْ التَّلَفُ وَلَمْ يَطْرَأْ النُّقْصَانُ بِذَلِكَ التَّعَدِّي وَالتَّقْصِيرِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ تَرْكِ الْمُسْتَعِيرِ التَّعَدِّيَ وَدَعْوَتِهِ إلَى الْوِفَاقِ أَوْ تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنًا. مَثَلًا لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ فَرَسًا لِيَرْكَبَهُ إلَى الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ وَبَلَغَ ذَلِكَ وَتَجَاوَزَهُ إلَى مَكَانٍ آخَرَ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ إذَا عَادَ إلَى الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ وَيَكُونُ الْفَرَسُ مَضْمُونًا إلَى أَنْ يُعِيدَهُ إلَى صَاحِبِهِ سَالِمًا فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ التَّجَاوُزِ كَانَ ضَامِنًا.
كَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ مَالًا لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ آخَرَ فَاسْتَعْمَلَ الْمَالَ ثُمَّ تَرَكَ الِاسْتِعْمَالَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّهْنِ وَالتَّسْلِيمِ كَانَ ضَامِنًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
قَاعِدَةٌ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي تُوجِبُ الضَّمَانَ فِي الْإِعَارَةِ: قَدْ ذَكَرْتُ الْقَاعِدَةَ الْآتِيَةَ لِضَمَانِ الْمُسْتَعِيرِ وَهِيَ (الْعَارِيَّةُ كَالْإِجَارَةِ فَكُلُّ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي الْإِجَارَةِ يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي الْإِعَارَةِ) أَيْضًا (الضَّمَانَاتُ الْفَضِيلِيَّةُ فِي إجَارَةِ الدَّوَابِّ) .
٤ - قِيلَ: هَلَكَتْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا تَعَدَّى أَوْ قَصَّرَ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى تَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ ضَرَرٌ مَا وَأَعَادَ الْمُسْتَعَارَ سَالِمًا إلَى صَاحِبِهِ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ بَرِيئًا فَلَوْ تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ.
٥ - جَاءَ وَقْتُ التَّعَدِّي أَوْ التَّقْصِيرِ إلَخْ، فَلْنُوضِحْ هَذَا بِمِثَالٍ: لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ دَابَّةً لِمُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَمَضَتْ وَلَمْ يُعِدْ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَعَدِّيًا بِمُقْتَضَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute