وَإِذَا أُطْلِقَتْ الْإِعَارَةُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَقُيِّدَتْ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ النَّوْعَ الْمَأْذُونَ بِهِ إلَى مَا فَوْقَهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِذَلِكَ الْمُسْتَعَارِ بِالتَّجَاوُزِ إلَى مَا فَوْقَ الْمَأْذُونِ بِهِ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (٩٦) وَإِنْ تَجَاوَزَ وَتَلِفَ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهِ نُقْصَانٌ كَانَ ضَامِنًا.
وَكَمَا أَنَّ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِالشَّيْءِ الْمَأْذُونِ بِهِ عَيْنًا لَهُ أَنْ يُخَالِفَ بِاسْتِعْمَالِ الْعَارِيَّةِ بِمَا هُوَ مُسَاوٍ لِنَوْعِ الِاسْتِعْمَالِ الَّذِي فِيهِ تَشَابُهٌ أَوْ بِنَوْعٍ أَخَفَّ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ صَلَاحِيَّةُ الِاسْتِعْمَالِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فِي الْقِسْمِ الْمُطْلَقِ إذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَمُقَيَّدَةً فِي الِانْتِفَاعِ فَلَيْسَ لَهُ فِي الْقِسْمِ الْمُفِيدِ الْمُخَالَفَةُ بِالتَّجَاوُزِ إلَى مَا فَوْقُ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى بِالْعُدُولِ إلَى الشَّرِّ. لَكِنْ كَمَا أَنَّ لَهُ الْمُخَالَفَةَ بِالْعُدُولِ إلَى مُمَاثِلٍ فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ أَيْضًا بِالْعُدُولِ إلَى خَيْرٍ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَ الْمُعِيرِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا " تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ ".
لَوْ اُسْتُعِيرَ حَيَوَانٌ اسْتِعَارَةً مُطْلَقَةً فِي الْمَكَانِ يَعْنِي لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك فَرَسِي هَذَا عَلَى أَنْ تَسْتَعْمِلَهُ شَهْرًا وَاحِدًا، فَتُحْمَلُ هَذِهِ الْإِعَارَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ فِي الْمِصْرِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الْخُرُوجُ بِهِ إلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ وَإِنْ خَرَجَ وَتَلِفَ الْفَرَسُ سَوَاءٌ أَخْرَجَ بِهِ مَعَ اسْتِعْمَالِ إيَّاهُ أَمْ بِدُونِ اسْتِعْمَالٍ كَانَ ضَامِنًا كَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ ثِيَابًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَبِمَا أَنَّ اسْتِعَارَتَهُ تُحْمَلُ عَلَى لُبْسِهِ الثِّيَابَ فِي الْمَدِينَةِ فَلَوْ لَبِسَهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَتَلِفَتْ كَانَ ضَامِنًا لَكِنْ إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا وَخَرَجَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُعَدُّ حَافِظًا إيَّاهُ كَمَا فِي الْمِصْرِ " الْوَاقِعَاتُ " وَالْحَاصِلُ إذَا قُيِّدَتْ الْإِعَارَةُ بِالِانْتِفَاعِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَنْفَعَةِ أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى نَوْعِ الِانْتِفَاعِ وَهَذَا مَا بَيَّنَتْهُ هَذِهِ الْمَادَّةُ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ مُعْتَبَرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَعَارُ مَا يَخْتَلِفُ اسْتِعْمَالُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَالْفَرَسِ وَالثَّوْبِ أَمْ لَمْ يَكُنْ كَالْغَرْفَةِ.
مَثَلًا لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَشْتَغِلَ صَنْعَةَ الْحِدَادَةِ فِي الْحُجْرَةِ الَّتِي اسْتَعَارَهَا لِلسُّكْنَى كَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ " ٤٢٦ ".
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُنْتَفِعِ وَهَذَا هُوَ الْمُبَيَّنُ فِي الْمَادَّةِ " ٨١٩ " وَيُعْتَبَرُ التَّقْيِيدُ بِالْمُنْتَفِعِ فِي الشَّيْءِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ وَلِهَذَا يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ التَّقْيِيدِ بِالْمَنْفَعَةِ وَالتَّقْيِيدِ بِالْمُنْتَفِعِ كَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فِي الْإِجَارَةِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّتَيْنِ " ٤٢٧ و ٤٢٨ ".
الْمِثَالُ الْأَوَّلُ لِلْفِقْرَةِ الْأُولَى: لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيُحَمِّلَهَا حِنْطَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَمِّلَهَا حَدِيدًا أَوَحِجَارَةً أَوْ لَبِنًا أَوْ قُطْنًا أَوْ تِبْنًا أَوْ حَطَبًا أَوْ تَمْرًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَسَاوَتْ الْأَشْيَاءُ الْمَذْكُورَةُ وَزْنًا فَالْحَدِيدُ مَثَلًا يَجْتَمِعُ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَمَّا الْقُطْنُ فَيَأْخُذُ مَكَانًا وَاسِعًا مِنْ ظَهْرِهَا فَيَتَجَاوَزُ مَكَانَ الْحِمْلِ.
الْمِثَالُ الْأَوَّلُ لِلْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ: كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَلَهُ أَنْ يُحَمِّلَهَا شَيْئًا مُسَاوِيًا لِلْحِنْطَةِ أَوْ أَخَفَّ مِنْهَا وَيُفْهَمُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ الْآنِفَةِ أَنَّ هَذِهِ الْخِفَّةَ لَيْسَتْ فِي الْوَزْنِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ " ٥٥٩ ".
الْمِثَالُ الثَّانِي لِلْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِحِرَاثَةِ مَزْرَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَهُ أَنْ يَحْرُثَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَزْرَعَةَ أَوْ مَزْرَعَةً أُخْرَى أَخَفَّ مِنْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute