للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَارِيَّةَ وَلَا أَنْ يَرْهَنَهَا بِدُونِ إذْنِ الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْإِعَارَةُ مِنْ الْعُقُودِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ فَهِيَ دُونَ الرَّهْنِ وَالْإِيجَارِ وَبِمَا أَنَّ الرَّهْنَ وَالْإِيجَارَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ الَّتِي هِيَ فَوْقَ الْإِعَارَةِ فَلَا يَتَضَمَّنُ الشَّيْءُ مَا فَوْقَهُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَازِمٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (٤٠٦) وَنَظَرًا لِكَوْنِ الْعَارِيَّةِ غَيْرَ لَازِمَةٍ فَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ حَسَبَ الْمَادَّةِ (٨٠٦) فَلَوْ جَوَّزْنَا إجَارَةَ الْمُسْتَعَارِ لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَلَّا يَكُونَ لِلْمُعِيرِ حَقُّ الرُّجُوعِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَأَنْ يَنْتَظِرَ حَتَّى تَنْتَهِيَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ بَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَبِهَذَا يَتَضَرَّرُ الْمُعِيرُ. أَوْ أَنَّنَا نَقُولُ فِي مَقَامِ الْإِثْبَاتِ: لَوْ كَانَتْ إجَارَةُ الْعَارِيَّةِ جَائِزَةً لَوَجَبَ أَنْ نَقُولَ بِلُزُومِ مَا لَمْ يَلْزَمْ (كَالْعَارِيَّةِ) فَلَوْ جَازَتْ إجَارَةُ الْعَارِيَّةِ لَاقْتَضَى ذَلِكَ لُزُومَ الْعَارِيَّةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاسْتِرْدَادِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعَاتِ الْعَارِيَّةِ أَوْ نَقُولُ بِعَدَمِ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ كَالْإِجَارَةِ، وَعَدَمُ لُزُومِ الْإِجَارَةِ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعَاتِهَا (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَيَثْبُتُ عَدَمُ جَوَازِ الرَّهْنِ فِي الْعَارِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ عَقْدًا لَازِمًا مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ وَهُوَ كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ أَيْ أَنَّهُ لَوْ جَازَ الرَّهْنُ فَإِمَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ لُزُومَ مَا لَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْعَارِيَّةُ أَوْ يُوجِبَ عَدَمَ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ وَهُوَ الرَّهْنُ.

وَيَثْبُتُ ذَلِكَ أَيْضًا بِصُورَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ هُوَ إيفَاءٌ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُوفِيَ دَيْنَهُ بِمَالِ الْآخَرِ بِدُونِ إذْنِهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ إطْلَاقِ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ إيجَارَ وَرَهْنَ الْعَارِيَّةِ غَيْرُ جَائِزٍ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ أَمْ لَا تَخْتَلِفُ وَقَدْ ظَهَرَتْ الْأَسْبَابُ الَّتِي جَوَّزَتْ إعَارَةَ الْمُسْتَعِيرِ لِلْعَارِيَّةِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعْمِلِينَ وَعَدَمَ جَوَازِ الْإِجَارَةِ فِيهَا.

وَيُسْتَفَادُ أَيْضًا مِنْ تَعْبِيرِ الْمَادَّةِ هَذِهِ (بِلَا إذْنٍ) أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ إيجَارَ الْعَارِيَّةِ وَرَهْنَهَا بِإِذْنِ الْمُعِيرِ.

وَقَدْ ذُكِرَتْ مَسْأَلَةُ الْإِيجَارِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٦٥) كَمَا أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ أَيْضًا قَدْ ذُكِرَتْ فِي مَتْنِ وَشَرْحِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ مُفَصَّلَةً فَلْتُرَاجِعْ. وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ مَالًا لِيَرْهَنَهُ عَلَى دَيْنٍ عَلَيْهِ فِي بَلَدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ عَلَى دَيْنٍ عَلَيْهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُفِيدُ شَيْئًا أَكْثَرَ مِمَّا تُفِيدُ الْمَادَّةُ (٧٢٨) الْقَائِلَةُ: إذَا كَانَ إذْنُ صَاحِبِ الْمَالِ مُقَيَّدًا بِأَنْ يَرْهَنَهُ فِي مُقَابَلَةِ كَذَا دَرَاهِمَ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ جِنْسُهُ كَذَا أَوْ عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ فِي الْبَلْدَةِ الْفُلَانِيَّةِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْهَنَهُ إلَّا عَلَى وَفْقِ قَيْدِهِ وَشَرْطِهِ إلَّا أَنَّهَا كُرِّرَتْ هُنَا تَوْطِئَةً وَتَمْهِيدًا لِلْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ.

وَإِنْ فَعَلَ أَيْ لَوْ آجَرَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ مِنْ آخَرَ بِلَا إذْنِ الْمُعِيرِ أَوْ إذَا اسْتَعَارَ مَالًا لِيَرْهَنَهُ فِي مُقَابِلِ دَيْنٍ عَلَيْهِ فِي بَلْدَةٍ فَرَهَنَهُ فِي مُقَابِلِ دَيْنٍ آخَرَ عَلَيْهِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَتَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ أَوْ ضَاعَتْ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الْأَوَّلِ مَعَ الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي أَوْ الْمُرْتَهِنِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ أَيْ يَلْزَمُ ضَمَانُ قِيمَتِهَا يَوْمَ تَسْلِيمِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّيًا بِالتَّسْلِيمِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا الْإِيجَارُ وَالرَّهْنُ وَالتَّسْلِيمُ مِنْ قَبِيلِ الْغَصْبِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتْلَفْ فَلِلْمُعِيرِ حَقٌّ فِي اسْتِرْدَادِهِ.

إيضَاحُ الْإِيجَارِ: لَوْ آجَرَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِآخَرَ بِدُونِ إذْنِ الْمُعِيرِ كَانَتْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ فُضُولِيَّةً وَيَجْرِي فِيهَا حُكْمُ الْمَادَّةِ (٤٤٧) مِنْ الْمَجَلَّةِ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>