وَالْحَاصِلُ لَوْ ثَبَتَتْ الْمِلْكِيَّةُ فِي الْمَوْهُوبِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْهِبَةِ لَأَصْبَحَ الْوَاهِبُ مُطَالِبًا بِتَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ وَوُجُوبِ تَسْلِيمِ شَيْءٍ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ.
وَقَدْ وَرَدَ عَلَى الدَّلِيلِ الثَّانِي أَسْئِلَةٌ ثَلَاثَةٌ: (١) س - إنَّ الْوَاهِبَ بِهِبَتِهِ الْمَالَ يَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ لِالْتِزَامِهِ ذَلِكَ إذْ إنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ شَخْصٌ نَقْلَ شَيْءٍ لَا يَلْزَمُهُ نَقْلُهُ وَشَرَعَ فِي نَقْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِكْمَالُ.
ج - لِلْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ مِلْكَانِ الْأَوَّلُ مِلْكُ الْمَالِ وَالثَّانِي مِلْكُ الْيَدِ وَمِلْكُ الْيَدِ مَقْصُودٌ كَمِلْكِ الْمَالِ فَإِذَا غُصِبَتْ فَكَمَا أَنَّ الْمَالَ مَضْمُونٌ كَذَلِكَ تَكُونُ الْيَدُ مَضْمُونَةً أَيْضًا إذَا غُصِبَتْ إذْ الْمَادَّةُ (١٦٣٧) تَبْحَثُ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمَأْجُورِ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْيَدِ مَضْمُونٌ وَضَمَانُ مِلْكِ الْيَدِ هُوَ بِرَدِّهِ وَإِعَادَتِهِ. كَذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي مَبَاحِثِ اللُّقَطَةِ إذَا أُخِذَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ يَدِ الْمُلْتَقِطِ فَلِلْمُلْتَقِطِ اسْتِرْدَادُهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مَضْمُونَةٌ وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْهِبَةِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِنْ الْمِلْكِ بِنَفْسِهِمَا فَالْتِزَامُ الْوَاهِبِ أَحَدَهُمَا لَا يُوجِبُ الْتِزَامَهُ الْآخَرَ " الْكِفَايَةُ وَالْهِدَايَةُ بِزِيَادَةٍ ".
(٢) س - إذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي الْهِبَةِ وَكَانَ ذَلِكَ مُفِيدًا لِلْمِلْكِيَّةِ بِصُورَةِ أَلَّا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَوْهُوبِ فَلَا يُجْبَرُ الْوَاهِبُ عَلَى التَّسْلِيمِ. إنَّ الْمِلْكِيَّةَ الَّتِي تَثْبُتُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا فَائِدَةَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْمِلْكِ هُوَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمَالِكُ كَيْفَمَا يَشَاءُ حَسْبَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (١١٩٢) وَلَا يَحْصُلُ هَذَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِوُجُودِ حَقِّ الْقَبْضِ " الْكِفَايَةُ " فَلِذَلِكَ إذَا بَاعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَخْذَهُ مِنْ الْوَاهِبِ وَتَسْلِيمَهُ لِلْمُشْتَرِي.
(٣) س - بِمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ تَبَرُّعٌ وَهِبَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَتِمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَغَيْرُ مَوْقُوفَةٍ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَارِثِ لَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَجِبُ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَتِمَّ الْهِبَةُ أَيْضًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا سِيَّمَا فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ هِبَةٌ مُعَلَّقَةٌ عَلَى الْمَوْتِ وَالْهِبَةُ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ بَحْثِنَا هِبَةٌ مُرْسَلَةٌ وَلَمَّا كَانَتْ الْهِبَةُ الْمُرْسَلَةُ أَقْوَى مِنْ الْهِبَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَبِمَا أَنَّ الْهِبَةَ الْمُعَلَّقَةَ تَتِمُّ بِلَا قَبْضٍ فَبِالْأَوْلَى أَنْ تَتِمَّ الْهِبَةُ الْمُرْسَلَةُ بِلَا قَبْضٍ أَيْضًا.
ج - إنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِوَفَاةِ الْمُوصِي تَزُولُ مِلْكِيَّتُهُ عَنْ الْمُوصَى بِهِ فَلَا يَحْصُلُ هُنَا إلْزَامُ شَخْصٍ عَلَى أَنْ يَتَبَرَّعَ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْهِبَةِ وَحَتَّى لَمْ يَبْقَ لُزُومٌ لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمُتَبَرِّعِ. أَمَّا حَقُّ الْوَارِثِ فَهُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ إذْ إنَّ الْوَارِثَ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْمُوصَى بِهِ حَتَّى تَتَوَقَّفَ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَارِثِ لِلْمُوصَى بِهِ " الْهِدَايَةُ وَالْكِفَايَةُ وَالْعِنَايَةُ، " اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ٥٧ ".
وَتَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْهِبَةِ حُكْمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ.
" ١ " - مَسْأَلَةٌ: إذَا وَهَبَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِآخَرَ وَقَبْلَ تَسْلِيمِهِ أَوْدَعَهُ لِشَخْصٍ خِلَافَهُ وَسَلَّمَهُ لَهُ وَسَلَّمَ الْمُسْتَوْدَعَ ذَلِكَ الْمَالَ بِلَا إذْنِ الْوَاهِبِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ اسْتِنَادًا عَلَى تِلْكَ الْهِبَةِ وَاسْتَهْلَكَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلِلْوَاهِبِ الْخِيَارُ فِي تَضْمِينِ ذَلِكَ الْمَالِ إمَّا لِلْمُسْتَوْدَعِ وَإِمَّا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٩١٠ " " النَّتِيجَةُ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute