للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَطْلُبُ إِلَيْكَ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهِ وَتَصَدَّقَ الثَّانِي بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ تَصَدُّقَ الْبَائِعِ يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ وَلَوْ تَصَدَّقَ الْبَائِعُ بِالْحِنْطَةِ بَعْدَ انْفِضَاضِ الْمَجْلِسِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ مُبْطِلٌ لِلْإِيجَابِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " ١٨٣ " وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقَبُولِ.

كَذَلِكَ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: قَدْ بِعْتُك هَذَا الْقُمَاشَ بِخَمْسِينَ قِرْشًا وَخَاطَ الثَّانِي مِنْ ذَلِكَ الْقُمَاشِ ثَوْبًا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ هِنْدِيَّةٌ ".

وَيُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ " إنْشَاءِ الْبَيْعِ " أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ بِإِقْرَارِ الطَّرَفَيْنِ بِهِ فَلَوْ أَقَرَّ رَجُلَانِ بِبَيْعٍ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا بَيْنَهُمَا قَبْلًا لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ كَمَا يَتَبَيَّنُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١٥٧٢) وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: كُنْتُ بِعْتُك هَذَا الْمَالَ بِكَذَا قِرْشًا، فَأَجَابَهُ الثَّانِي: أَنَا لَمْ أَشْتَرِ مِنْك ذَلِكَ الْمَالَ، فَسَكَتَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يُقِرَّ إنْكَارَ الثَّانِي. ثُمَّ أَقَرَّ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُنْكِرُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ بِاشْتِرَاءِ ذَلِكَ الْمَالِ يَثْبُتُ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَيْعِ عَائِدٌ لِلْمُتَابِعَيْنِ فَأَمَّا الْإِقْرَارُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ بِمَا يَكُونُ فِيهِ حَقٌّ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ كَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ. وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ كَقَوْلِ شَخْصٍ لِآخَرَ: بِعْنِي هَذَا الْمَالَ بِكَذَا قِرْشًا، فَيُجِيبُهُ بِقَوْلِهِ: إنَّنِي أَرْغَبُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ طَحْطَاوِيٌّ.

وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَيْضًا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ كَقَوْلِ شَخْصٍ لِآخَرَ: قَدْ أَقَلْتُكَ مَالِي هَذَا بِكَذَا قِرْشًا فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَجَابَهُ الْآخَرُ بِقَوْلِهِ: قَبِلْتُ هِنْدِيَّةٌ ".

يُفْهَمُ مِنْ جُمْلَةِ " الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ لَفْظَيْنِ إلَخْ " أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِشَارَةِ فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: هَلْ تَبِيعُنِي مَالَك هَذَا بِكَذَا قِرْشًا؟ فَأَشَارَ لَهُ الثَّانِي بِرَأْسِهِ إشَارَةَ قَبُولٍ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيكَ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ رَأْسَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إلَّا إذَا أَتْبَعَ الْإِشَارَةَ بِاللَّفْظِ فِي الْمَجْلِسِ فَيَنْعَقِدُ.

جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي إنْشَاءِ الْبَيْعِ أَكْثَرُ مَا تَكُونُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ فِيمَا يَقَعُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا إلَّا فِي الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمِلَةِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ الثَّانِيَةَ) وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ صِيغَةِ الْمَاضِي فِي الْبَيْعِ يَكُونُ إنْشَاءً (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١٠١) .

وَيُفْهَمُ مِنْ الْمِثَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ الْوَارِدَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ الْإِيجَابَ إذَا كَانَ لَفْظِيًّا فَلَيْسَ بِضَرُورِيٍّ أَنْ يُعَادَ فِي الْقَبُولِ جَمِيعُهُ كَمَا إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: بِعْتُك هَذَا الْمَالَ بِمِائَةِ قِرْشٍ فَأَجَابَهُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: أَخَذْته مِنْك، أَوْ قَالَ الْأَوَّلُ: أَخَذْت مِنْك هَذَا بِمِائَةِ قِرْشٍ، فَأَجَابَهُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: بِعْت، فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ وَلَا حَاجَةَ لَأَنْ يَقُولَ الْآخَرُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ فِي قَبُولِهِ وَلَا أَنْ يَقُولَ الْآخَرُ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ.

الْجِدُّ، شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْهَزْلِ إذْ لَا رِضَاءَ فِي عَقْدٍ يُبْنَى عَلَى الْهَزْلِ وَالْهَزْلُ لُغَةً اللَّعِبُ وَاصْطِلَاحًا قَصْدُ شَيْءٍ بِلَفْظٍ لَمْ يُوضَعْ لَهُ وَلَا يَصْلُحُ لِلتَّجَوُّزِ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>