للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَلْزَمُ الْهِبَةُ أَيْ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ حَسْبَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ (٨٦٨) إذَا رَاعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ الشَّرْطَ أَيْ إذَا أَعْطَى الْعِوَضَ الْمَذْكُورَ أَوْ أَدَّى ذَلِكَ الدَّيْنَ. سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَجْنَبِيًّا أَمْ كَانَ مِنْ الْأَقَارِبِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْمَادَّةِ (٨٦٦) . لَكِنْ لُزُومُ هَذِهِ الْهِبَةِ يَكُونُ بِتَقَابُضِ الْعِوَضَيْنِ وَلَيْسَ كَالْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالتَّعَهُّدِ بِالْعِوَضِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٨٦٨) . يَعْنِي يَهَبُ الْوَاهِبُ مَالًا بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَيُسَلِّمُهُ وَبَعْدَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَلِكَ الْمَالَ أَيْضًا يُعْطِي الْعِوَضَ لِلْوَاهِبِ وَيُسَلِّمُهُ إيَّاهُ وَيَقْبِضُهُ الْآخَرُ وَيَسْتَلِمُهُ فَتَكُونُ الْهِبَةُ لَازِمَةً مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ اسْتِرْدَادُ الْمَوْهُوبِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْعِوَضِ. أَمَّا بِدُونِ التَّقَابُضِ فَلَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ فَعَلَيْهِ لَوْ اتَّفَقَ الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ عَلَى الْعِوَضِ لَكِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعِوَضَ لِلْوَاهِبِ فَلَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ وَلَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَاضِرًا وَمُهَيَّأً لِتَسْلِيمِ الْعِوَضِ. وَلِلْوَاهِبِ عَدَمُ قَبُولِ الْعِوَضِ وَالرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْعِوَضِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ الْوَاهِبُ رَاضِيًا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ. كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ بَعْضَ أَشْيَاءَ لِوَالِدَتِهِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ عِوَضًا كَهَذَا وَسَلَّمَهَا إيَّاهَا وَلَمْ تُعْطِهِ وَالِدَتُهُ الْعِوَضَ الْمَذْكُورَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .

وَعَلَيْهِ إذَا لَمْ يُرَاعِ الْمَوْهُوبُ لَهُ الشَّرْطَ فَبِمَا أَنَّ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ يُؤْمَرُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِإِعْطَاءِ الْعِوَضِ الْمَشْرُوطِ. فَإِذَا أَعْطَاهُ فَبِهَا. وَإِذَا لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ ضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَدَلَ الْمَوْهُوبِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ وَلَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ: إنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْوَاهِبِ حَقٌّ لِلرُّجُوعِ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِلْمَوْهُوبِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي، الْهِنْدِيَّةُ) .

وَالْحَاصِلُ - أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ مَعْلُومًا وَمَذْكُورًا بِكَلِمَةِ " عَلَى " فَهِيَ هِبَةٌ ابْتِدَاءً بِحَسَبِ اللَّفْظِ وَبَيْعٌ انْتِهَاءً بِحَسَبِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ جِهَةِ الْهِبَةِ لَفْظًا وَجِهَةِ الْبَيْعِ مَعْنًى وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَوَجَبَ إعْمَالُهُمَا؛ لِأَنَّ إعْمَالَ الشَّبِيهَيْنِ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا " الْعِنَايَةُ ".

كَالْهِبَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ. فَهَذِهِ الْهِبَةُ بِمَا أَنَّهَا تُعْتَبَرُ ابْتِدَاءً هِبَةً وَيَلْزَمُ فِيهَا الْقَبْضُ وَالشُّيُوعُ يَكُونُ مَانِعًا لِتَمَامِهَا وَبِمَا أَنَّهَا تُعْتَبَرُ انْتِهَاءً وَصِيَّةً فَقَدْ اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ " اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ٨٧٧.

أَمَّا إذَا ذُكِرَ الْعِوَضُ مَعَ حَرْفِ الْبَاءِ مَثَلًا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِمَالِكِ هَذَا وَقَبِلَ الْآخَرُ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ هِبَةً فَهُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً " الدُّرَرُ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " ٣ ".

تَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ الْخَمْسُ الْآتِيَةُ عَلَى كَوْنِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةً ابْتِدَاءً: أَوَّلًا - التَّقَابُضُ شَرْطٌ فِي الْعِوَضَيْنِ. يَعْنِي يَلْزَمُ الْقَبْضُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ مُطْلَقًا وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْهِبَةِ بِإِذْنٍ صَرِيحٍ وَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُمْكِنُ لِلطَّرْفَيْنِ الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّسْلِيمِ " الطَّحَاوِيَّ، كَمَا قَدْ صَارَ تَفْصِيلُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ " ٨٣٧ ".

ثَانِيًا - الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي الْمَالِ الْقَابِلِ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ صَحِيحَةً بِالشُّيُوعِ. وَعَلَيْهِ لَوْ وُهِبَ قِسْمٌ مِنْ مَالٍ شَائِعٍ قَابِلِ الْقِسْمَةِ هِبَةً بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَانَتْ بَاطِلَةً " أَبُو السُّعُودِ. يَعْنِي إذَا وُهِبَ نِصْفُ مَالٍ قَابِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>