الْمَذْكُورِ حَقُّ الرُّجُوعِ أَيْ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ عَقَارَهُ الْمَمْلُوكَ لِآخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يَعُولَهُ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَاشِرْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِإِعَاشَةِ الْوَاهِبِ وَلَوْ كَانَ رَاضِيًا بِعَوْلِهِ فَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ أَيْضًا فَلِذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي الشَّرْحِ عِلَاوَةً عَلَى الْمَتْنِ قَيْدُ (بَعْدَ أَنْ عَالَ مُدَّةً) .
وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَوْ عَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُدَّةً فَبِمَا أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ عِوَضَ الْمُدَّةِ الَّتِي عَالَهُ فِيهَا وَإِذَا كَانَ رَاضِيًا بِعَوْلٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْنِي إنْ كَانَ رَاضِيًا بِإِعْطَاءِ مَا شَرَطَ إيفَاءَهُ تَدْرِيجِيًّا وَتَقْسِيطًا فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ وَيُوجَدُ هَذَا الْقَيْدُ أَيْضًا فِي الْفَتْوَى الَّتِي أَفْتَاهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
جَاءَ فِي الْمِثَالِ (وَهُوَ رَاضٍ بِعَوْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَالَهُ مُدَّةً ثُمَّ امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ فَلِلْوَاهِبِ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ عَيْنًا إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَتَضْمِينُهُ بَدَلَهُ إذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ وَلَا يَجُوزُ الْإِجْبَارُ عَلَى التَّبَرُّعِ.
الْعِوَضُ الْحُكْمِيُّ: الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ الْحُكْمِيِّ صَحِيحَةٌ أَيْضًا وَالشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ.
الْعِوَضُ الْحُكْمِيُّ كَعَدَمِ التَّطْلِيقِ وَتَرْكِ الظُّلْمِ وَالسُّكْنَى مَعًا.
فَلَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا بِشَرْطِ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا لِلْحَجِّ أَوْ يُحْسِنَ إلَيْهَا أَوْ يَكْسُوَهَا مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ وَهَذِهِ أَيْ نَفَقَةُ الْحَجِّ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهَا وَقَطْعُ الثَّوْبِ هِيَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْعِوَضِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّهُ إذَا وَهَبَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا بِشَرْطِ تَرْكِهِ ظُلْمَهَا أَوْ بِشَرْطِ سُكْنَاهُ مَعَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَحَكَمُوا بِبُطْلَانِ الْهِبَةِ إذَا ظَلَمَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أَوْ امْتَنَعَ عَنْ مُسَاكَنَتِهَا وَإِنْ يَكُنْ تَرْكُ الظُّلْمِ وَالْمُسَاكَنَةِ لَيْسَا بِعِوَضٍ حَقِيقِيٍّ إلَّا أَنَّهُ مُشَابِهٌ فِي الْجُمْلَةِ لِلْعِوَضِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تَنْتَفِعُ مِنْهُمَا (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا كَيْ لَا يَضْرِبَهَا وَلَا يَظْلِمَهَا ثُمَّ ظَلَمَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أَوْ ضَرَبَهَا بِدُونِ حَقٍّ يَبْقَى مَهْرُهَا أَيْضًا عَلَى حَالِهِ. وَإِنْ ضَرَبَهَا لِتَأْدِيبٍ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا لَا يَعُودُ الْمَهْرُ. (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .
وَكَذَا لَوْ وَهَبَتْ الزَّوْجَةُ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا لِشَرْطِ أَنْ يَقْطَعَ لَهَا فِي السَّنَةِ ثَوْبَيْنِ وَقَبِلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَمَرَّتْ سَنَتَانِ وَلَمْ يَقْطَعْ لَهَا الْأَثْوَابَ وَكَانَ قَدْ شُرِطَ فِي الْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ بَقِيَ الْمَهْرُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ لَمَّا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْعِوَضُ فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَلَا تَلْزَمُ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
وَتَدُلُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ جَهَالَةَ الْعِوَضِ غَيْرُ مُضِرَّةٍ. كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ عَزْمِي زَادَهْ. وَكَذَا لَوْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهَا وَلَمْ يُحْسِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بَاطِلَةً وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ (الْخَانِيَّةُ فِي فَصْلٍ فِي هِبَةِ الْمَرْأَةِ مَهْرَهَا مِنْ الزَّوْجِ) .