لَيْسَ يَسْتَحِقُّ السَّلَامَةَ: بِمَا أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ وَعَقْدَ الصَّدَقَةِ عَقْدَا تَبَرُّعٍ فَلَيْسَا بِمُسْتَحِقَّيْ السَّلَامَةِ (الدُّرَرُ) فَعَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ الْمَوْهُوبُ بَعْدَ قَبْضِهِ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْمُسْتَحِقُّ الْمَذْكُورُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَاهِبَ وَفِي هَذَا الْحَالِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَإِذَا ضَمِنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَاهِبِ (الْهِدَايَةُ وَالْكَنْزُ الْهِنْدِيَّةُ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٦٥٨) وَشَرْحَهَا.
إلَّا أَنَّهُ إذَا ضَمِنَ الْوَاهِبُ سَلَامَةَ الْمَوْهُوبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَضَمِنَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِسَبَبِ تَلَفِهِ فِي يَدِهِ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَاهِبِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ، الْعِنَايَةُ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ) .
وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَكُونَ الْهِبَةُ بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ حَتَّى يَمْلِكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ فَعَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ فَيَبْقَى الْمَالُ الْمَوْهُوبُ مِلْكًا لِلْوَاهِبِ فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ دَارِهِ بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ لِزَوْجَتِهِ وَبَعْدَ أَنْ سَلَّمَهَا إيَّاهَا تُوُفِّيَ فَتُصْبِحُ تِلْكَ الدَّارُ مُوَرَّثَةً لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَسْتَقِلَّ بِهَا هَذَا فِيمَا إذَا غَيْرَ مَشْرُوعٍ فَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبُ وَأَخْذُ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ (الْبَهْجَةُ) .
٦ - وَلَوْ أَسْقَطَ حَقُّ رُجُوعِهِ - حَقَّ الرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ مُطْلَقًا. يَعْنِي إذَا لَمْ يُسْقِطْ الْوَاهِبُ أَثْنَاءَ الْهِبَةِ حَقَّ رُجُوعِهِ فَكَمَا أَنَّ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ فَلَوْ أَسْقَطَهُ وَأَبْرَأهُ فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْإِسْقَاطِ وَلَا تَأْثِيرَ وَيَبْقَى حَقُّ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْحَقُّ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْإِسْقَاطِ وَالْإِبْرَاءِ فَلَا يَكُونُ مِنْ فُرُوعِ الْمَادَّةِ (١٥٦٢) (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ٥١) أَيْضًا إلَّا أَنَّهُمَا إذَا تَصَالَحَا عَنْ حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَى مَالٍ كَانَ صَحِيحًا وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ عِوَضًا لِلْهِبَةِ وَسَقَطَ حَقُّ الرُّجُوعِ (الْأَنْقِرْوِيُّ، جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى، الدُّرُّ الْمُخْتَارُ) وَإِذَا لَمْ يَرْضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِرُجُوعِ الْوَاهِبِ وَأَنْكَرَ الْهِبَةَ لَدَى مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ يَطْلُبُ الْوَاهِبُ بِإِثْبَاتِ الْهِبَةِ أَوْ بِنُكُولِ الْمَوْهُوبِ عَنْ الْيَمِينِ الْمُكَلَّفِ بِهَا اسْتِرْدَادَ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ. وَيُفْهَمُ مِنْ هَاتَيْنِ الْفِقْرَتَيْنِ كَمَا أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْهِبَةِ صَحِيحٌ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ يَكُونُ صَحِيحًا أَيْضًا بِحُكْمِ الْقَاضِي فَجَازَ الرُّجُوعُ بِرِضَا الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ لِلطَّرَفَيْنِ وِلَايَةً عَلَى نَفْسَيْهِمَا وَجَازَ الرُّجُوعُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَامَّةً أَيْ أَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى مَنْ كَانَ فِي حُكْمِ قَضَائِهِ مِنْ النَّاسِ.
أَمَّا الرُّجُوعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِ رِضَا الطَّرَفَيْنِ وَبِدُونِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فَغَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ فِي حُصُولِ الشَّيْءِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْهِبَةِ وَعَدَمِ حُصُولِهِ خَفَاءً إذْ يَجُوزُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْوَاهِبِ مِنْ الْهِبَةِ الثَّوَابَ وَالتَّحَبُّبَ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَلْزَمُ أَنْ يَرْجِعَ الْوَاهِبُ إذْ تَكُونُ الْهِبَةُ قَدْ أَفَادَتْ مَقْصُودَ الْوَاهِبِ وَحَصَلَتْ غَايَتُهُ مِنْهَا كَمَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُ الْوَاهِبِ الْعِوَضَ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْعَقْدِ مَقْصِدُ الْوَاهِبِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ الرِّضَا وَالْقَضَاءُ لِتَعْيِينِ وَتَخْصِيصِ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَالدُّرَرُ) .
وَلِلْحَاكِمِ فَسْخُ (١) الْهِبَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَانِعٌ (٢) مِنْ مَوَانِعِ الرُّجُوعِ الَّتِي سَتُذْكَرُ فِي الْمَوَادِّ الْآتِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute