عَلَى خِوَانِهِ أَوْ لِلْخَادِمِ شَيْئًا جَازَ كَمَا يَجُوزُ لَوْ أَعْطَى مَنْ كَانَ عَلَى الْخِوَانِ الْآخَرِ. أَمَّا عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ (الدُّرَرُ، الْهِنْدِيَّةُ قُبَيْلَ الْبَابِ الرَّابِعِ مِنْ الْهِبَةِ) .
لَكِنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَتَنَاوَلَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَمَعْنَى التَّنَاوُلِ إعْطَاءُ الطَّعَامِ أَوْ الْإِحْسَانُ وَلَكِنْ يُسْتَفَادُ مِنْ الْفِقْرَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ هُنَا الْمَعْنَى الثَّانِي. وَمَعَ أَنَّ الْأَكْلَ مَخْصُوصٌ بِالْمَأْكُولَاتِ فَالتَّنَاوُلُ يَشْمَلُ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ مَعًا وَعَلَيْهِ فَعَطْفُ التَّنَاوُلِ عَلَى الْأَكْلِ عَطْفُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ بَعْدَ أَنْ يُطَالِبَ بِقِيمَةِ الشَّيْءِ الْمَأْكُولِ إذَا كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ وَمِثْلِهِ إذَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ.
مَثَلًا، إذَا أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ كَرْمِ آخَرَ بِإِذْنِهِ وَإِبَاحَتِهِ مِقْدَارًا مِنْ الْعِنَبِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ مُطَالَبَةُ ثَمَنِهِ أَوْ مِثْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَوْ قَالَ أَحَدٌ: لِآخَرَ اُدْخُلْ، كَرْمِي وَاقْطِفْ عِنَبًا فَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَنْ يَقْطِفَ مِنْ الْعِنَبِ مَا يُشْبِعُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ إذْنٌ بِقَطْفِ الْمِقْدَارِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ الْمُخَاطَبُ فِي الْحَالِ (الْخَانِيَّةُ) وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ لِلْمُخَاطَبِ قَطْفَ عُنْقُودٍ وَاحِدٍ فَقَطْ بِهَذَا الْإِذْنِ (الْبَزَّازِيَّةُ) .
كَذَلِكَ لَوْ أَكَلَتْ امْرَأَةٌ مَالَهَا مَعَ زَوْجِهَا يَعْنِي لَوْ صَرَفَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَالَهَا بِيَدِهَا وَأَكَلَتْهُ مَعَ زَوْجِهَا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ تَضْمِينُ الزَّوْجِ حِصَّتَهُمْ فِيمَا صَرَفَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا (أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ) .
أَمَّا لَوْ أَعْطَتْهُ لِزَوْجِهَا وَصَرَفَهُ الزَّوْجُ فَحُكْمُ ذَلِكَ قَدْ بُيِّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٨٣٨) .
وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِبَاحَةِ كَمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ فَلِذَلِكَ لِلْمُبِيحِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَنْ إبَاحَتِهِ كَمَا بُيِّنَ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (١٢٢٦) .
وَلَا يَمْنَعُ الشُّيُوعُ صِحَّةَ الْإِبَاحَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّةُ الْمَالِ الَّذِي أُبِيحَ وَالشَّخْصُ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ الْمَالُ كَمَا قَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٨٣٢) وَيُشْتَرَطُ وُقُوفُ الْمُبَاحِ لَهُ بِإِبَاحَةِ الْمُبِيحِ؟ لِنُوَضِّح ذَلِكَ وَقَدْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فَمُقْتَضَى بَيَانِ الْقُنْيَةِ لَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا فَعَلَيْهِ لَوْ أَكَلَ الْمُبَاحُ لَهُ الشَّيْءَ الْمُبَاحَ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ بِإِبَاحَةِ الْمُبِيحِ فَلَا يُلْزَمَا الضَّمَانَ، (الْخَانِيَّةُ فِي بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْمَدْيُونِ وَجَامِعِ الْفَتَاوَى) وَهُوَ شَرْطٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْبَحْرِ والولوالجية.
فَعَلَيْهِ إذَا قَالَ أَحَدٌ: قَدْ أَذِنْت النَّاسَ جَمِيعًا وَأَبَحْت لَهُمْ أَكْلَ الْعِنَبِ مِنْ كَرْمِي وَكُلُّ مَنْ أَخَذَ عِنَبًا مِنْ كَرْمِي فَهُوَ لَهُ فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ وَجْهًا أَوْ غِيَابًا فَلَهُ الْأَخْذُ أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَمِعْ هَذَا الْقَوْلَ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ فَإِنْ تَنَاوَلَ فُلَانٌ مِنْ ذَلِكَ بِالْجَهْلِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ حَرَامًا وَلَا يَسَعُهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) .
لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِطْلَاقِ وَالْإِطْلَاقُ كَالْوَكَالَةِ فَهُوَ لَا حُكْمَ لَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - إذَا رَبَطَ أَحَدٌ حَيَوَانَهُ فِي إصْطَبْلٍ عَامٍّ وَذَهَبَ فَلِكُلٍّ أَنْ يَأْخُذَ الزِّبْلَ الْحَاصِلَ مِنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ وَلَا يَكُونُ صَاحِبُ الْإِصْطَبْلِ أَحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ (الْهِنْدِيَّةُ) .