وَإِعْطَاءُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي الْمِثَالِ الْوَارِدِ فِي مَتْنِ الْمَجَلَّةِ هُوَ رِضَاءٌ صَرَاحَةً وَإِعْطَاءُ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ هُوَ رِضَاءٌ دَلَالَةً. أَمَّا إذَا لَمْ يَسْكُتْ الْبَائِعُ وَصَرَّحَ بِعَدَمِ الرِّضَاءِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي النُّقُودَ لِلْبَائِعِ وَحِينَمَا أَخَذَ الْبِطِّيخَةَ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ: اُتْرُكْهَا فَلَا يَبْقَى حُكْمٌ لِبَيْعِ التَّعَاطِي وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْبَائِعِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ بَيَانَ بَيْعِهِ الْمَالَ بِالرُّخْصِ وَأَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ هَذَا إدْخَالَ السُّرُورِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَدَمَ الرِّضَاءِ بِالْبَيْعِ.
كَذَلِكَ إذَا رَدَّ شَخْصٌ لِآخَرَ مَالًا بِخِيَارِ الْغَبْنِ وَكَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي هُوَ غَيْرُ هَذَا الْمَالِ الَّذِي رَدَّهُ إلَيْهِ فَإِذَا أَخَذَهُ وَرَضِيَ بِهِ فَالْبَيْعُ يَكُونُ بَيْعُ تَعَاطٍ أَبُو السُّعُودِ. كَذَلِكَ إذَا طَلَبَ شَخْصٌ مِنْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ مَا اشْتَرَاهُ وَكَانَ ذَلِكَ الطَّلَبُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الشُّفْعَةِ وَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْمَبِيعَ بِرِضَاهُ أَيْ بِلَا حُكْمِ الْحَاكِمِ فَبِالتَّعَاطِي يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ.
إنَّ فِي الْمِثَالِ الْأَخِيرِ الْوَارِدِ فِي مَتْنِ الْمَجَلَّةِ خَمْسَ مَسَائِلَ: (١) - إنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي.
(٢) - إنَّ بَيْعَ التَّعَاطِي يَنْعَقِدُ فِي الْأَمْوَال الْخَسِيسَةِ وَالنَّفِيسَةِ.
(٣) - إنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ (٤) - بِإِعْطَاءِ الْمَبِيعِ وَبِإِعْطَاءِ الثَّمَنِ.
(٥) - يَنْعَقِدُ بَيْعُ التَّعَاطِي وَلَوْ تَأَخَّرَتْ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ، مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوَّلًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْصُلُ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ. كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ بَعْدَ شِرَائِهِ الْمَالَ ثُمَّ سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمُوَكِّلِهِ فَتَسَلَّمَهُ الْمُوَكِّلُ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ وَيَكُونُ بَيْعَ تَعَاطٍ وَلَا يَحِقُّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُوَكَّلِ أَثْبِتْ وَكَالَتَك وَإِلَّا فَإِنَّنِي أَسْتَرِدُّ الْمَالَ. كَذَلِكَ إذَا سَأَلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِكَمْ تَبِيعَ كَيْلَةَ هَذِهِ الْحِنْطَةِ؟ فَأَجَابَهُ الْبَائِعُ بِعِشْرِينَ قِرْشًا مَثَلًا فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: كِلْ لِي كَيْلَةً فَكَالَ لَهُ الْبَائِعُ ذَلِكَ وَسَلَّمَهُ لَهُ أَوْ وَضَعَهُ بِأَمْرِ الْبَائِعِ فِي كِيسٍ لَهُ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ.
يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُبَادَلَةِ الْفِعْلِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ بَيْعُ التَّعَاطِي إذَا لَمْ تَحْصُلْ الْمُبَادَلَةُ الْفِعْلِيَّةُ فِعْلًا.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ رَأَى شَخْصٌ حَطَّابًا يَحْمِلُ عَلَى حِمَارِهِ حَطَبًا فَقَالَ: لَهُ كَمْ ثَمَنُ حِمْلِ الْحِمَارِ، فَقَالَ الْحَطَّابُ: عَشْرَةُ قُرُوشٍ، فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: سُقْ الْحِمَارَ إلَى بَيْتِي فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ بِهَذَا الْقَوْلِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ حِمْلَ الْحِمَارِ إلَى الْبَيْتِ، وَيَدْفَعُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْبَائِعِ حِمَارَهُ نَحْوَ بَيْتِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ فِيهِ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ وَلَا يَتِمُّ بَيْعُ التَّعَاطِي إلَّا بِالتَّسْلِيمِ. يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ التَّعَاطِي (١) أَنْ يُسَمَّى الثَّمَنُ وَأَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا وَمَعْلُومًا " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١٩٧ و ٢٣٧ " إلَّا أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَكُونُ أَسْعَارُهَا مَعْلُومَةً كَالْخُبْزِ مَثَلًا لَا يَجِبُ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ فِيهَا (٢) يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ هَذَا الْبَيْعِ أَلَّا يَكُونَ التَّعَاطِي مَبْنِيًّا عَلَى بَيْعٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ وَقَعَ قَبْلًا. فَإِذَا بُنِيَ التَّعَاطِي عَلَى بَيْعٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ فَلَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَحْصُلْ مُتَارَكَةٌ أَيْ فَسْخُ أَوْ إقَالَةُ الْبَيْعِ السَّابِقِ (بَزَّازِيَّةَ) (وَالدُّرَّ الْمُخْتَارَ) .
مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا بَاعَ شَخْصٌ سَمَكَةً تَسْبَحُ فِي الْبَحْرِ مِنْ شَخْصٍ بِعَشْرَةِ قُرُوشٍ مَثَلًا وَالْمُشْتَرِي قَبِلَ بِذَلِكَ فَاصْطَادَ الْبَائِعُ تِلْكَ السَّمَكَةَ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّفْظِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ وَقَعَا بَيْنَهُمَا وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ سَلَّمَ الْبَائِعُ السَّمَكَةَ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي سَلَّمَهُ الْعَشَرَةَ الْقُرُوشَ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ بِهَذَا التَّعَاطِي وَيَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ. أَمَّا إذَا تَفَرَّغَ الطَّرَفَانِ عَنْ الْبَيْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute