مَالِكًا لِلْبَدَلِ رَقَبَةً وَمِلْكًا فَلَزِمَ أَنْ يَمْلِكَ الْغَاصِبُ الْبَدَلَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَإِلَّا وَجَبَ اجْتِمَاعُ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَبِمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ عَدْلٌ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَثْبُتُ مِلْكُ الْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبِ الْغَائِبِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
وَمَعَ ذَلِكَ فَبِمَا أَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِالِاسْتِنَادِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ نَاقِصٌ وَهُوَ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ وَمَنْ وَجْهٍ آخَرَ غَيْرِ ثَابِتٍ فَلَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ كَالْوَلَدِ وَتَبْقَى هَذِهِ الزَّوَائِدُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ يَعْنِي لَوْ غَصَبَ فِي شَعْبَانَ فَرَسًا فَوَلَدَتْ فِي رَمَضَانَ وَضَمِنَهَا بَعْدَ التَّغَيُّبِ فِي شَوَّالٍ فَالْفِلْوُ مَالٌ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِنْ ثَبَتَتْ مِلْكِيَّةُ الْغَاصِبِ فِي شَعْبَانَ. أَمَّا الزَّوَائِدُ الْمُتَّصِلَةُ كَالثَّمَنِ فَيَمْلِكُهَا بِهَذَا الضَّمَانِ. لِأَنَّ هَذِهِ الزَّوَائِدَ تَابِعَةٌ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . مَعَ أَنَّهُ إذَا نَفَذَ الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ وَالْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ فَكَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِي يَمْلِكُ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ يَمْلِكُ أَيْضًا الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ. فَعَلَيْهِ لَوْ بَاعَ أَحَدٌ فَرَسًا فُضُولًا لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا فَوَلَدَتْ وَهِيَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَبَعْدَ ذَلِكَ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ وَشُرُوطُ الْإِجَازَةِ مَوْجُودَةٌ فَالْمُشْتَرِي يَمْلِكُ الْفِلْوَ أَيْضًا. وَإِلَيْك الْفَرْقُ: بِمَا أَنَّ الْغَصْبَ فِعْلٌ قَبِيحٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لَتَمْلِيكٍ.
أَمَّا الْبَيْعُ فَبِمَا أَنَّهُ سَبَبٌ مَشْرُوعٌ لِلْمِلْكِ فَتَسْتَنِدُ إجَازَةُ الْمَالِكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى وَقْتِ الْبَيْعِ (الطَّحْطَاوِيُّ) . وَإِذَا ظَهَرَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ أَنْ حُكِمَ بِبَدَلِ الْمَغْصُوبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ الْمُتَحَقِّقَةَ بِنَاءً عَلَى ادِّعَاءِ الْغَاصِبِ وَإِقْرَارِهِ أَوْ عَلَى حَلْفِ الْغَاصِبِ الْيَمِينَ الْمُكَلَّفَ بِهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ قِيمَتُهُ مُسَاوِيَةً لِلْبَدَلِ الَّذِي ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ أَوْ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهَا فَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي:
الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: إذَا شَاءَ أَخَذَ الْمَغْصُوبَ وَرَدَّ عِوَضَهُ لِلْغَاصِبِ (الْهِدَايَةُ) لِأَنَّ رِضَا الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ تَامًّا لِعَدَمِ أَخْذِهِ الْعَيْنَ الَّتِي كَانَ يُرِيدُ أَخْذَهَا (الْجَوْهَرَةُ، الْقُهُسْتَانِيُّ، أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ الْعَيْنِيُّ) وَلِلْغَاصِبِ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ إلَى أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْبَدَلَ الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ، عَبْدُ الْحَلِيمِ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَوْ اخْتَلَفَ الْغَاصِبُ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَقَالَ الْغَاصِبُ إنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ التَّضْمِينِ وَقَالَ الْمَالِكُ إنَّهَا حَدَثَتْ قَبْلَهُ وَكَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ الْغَصْبِ فَالْقَوْلُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ لِلْغَاصِبِ. إلَّا أَنَّهُ إذَا تَلَفَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّ بَدَلَهُ فَلَا يَلْزَمُ رَدُّ ذَلِكَ الْبَدَلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْمَالِ زِيَادَتَهُ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا كَانَ ثَمَّةَ زِيَادَةٌ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ زِيَادَةٌ فَلَا شَيْءَ لِلْمَالِكِ غَيْرَ الْبَدَلِ الْمَأْخُوذِ الْعَيْنِيُّ الْأَمْرُ الثَّانِي، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ وَأَبْقَاهُ. وَلَا يُخَيَّرُ الْغَاصِبُ إذَا ظَهَرَتْ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ أَقَلَّ مِنْ الْمِقْدَارِ الَّذِي ضَمِنَهُ. لِأَنَّ الْبَدَلَ الْمَذْكُورَ قَدْ لَزِمَ بِإِقْرَارِ الْغَاصِبِ. لَكِنْ بِمَا أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ مُعَاوَضَةٌ أَيْضًا. فَيَثْبُتُ لِلْغَاصِبِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ (الطَّحْطَاوِيُّ وَأَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) إذَا قَبِلَ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ الَّتِي ادَّعَاهَا الْمَالِكُ وَأَثْبَتَ الْمَالِكُ بِالْبَيِّنَةِ قِيمَةَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ أَوْ نَكَلَ الْغَاصِبُ عَنْ حَلْفِ الْيَمِينِ عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الْمَالِكُ وَضَمِنَ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ الَّتِي تُحَقَّقُ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute