كَانَ مُمَيِّزًا وَأَهْلًا لِحِفْظِ الْمَالِ يَصِحُّ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ حَسْبَ الْمَادَّةِ (٨٥٠)) . لِأَنَّ الْغَاصِبَ قَدْ فَسَخَ فِعْلَهُ وَأَدَّى عَيْنَ وَاجِبِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِحِفْظِ مَالِهِ وَغَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الْحِفْظِ فَلَا يَصِحُّ الرَّدُّ إلَيْهِ بَعْدَ التَّحَوُّلِ مِنْ مَكَانِ الْأَخْذِ وَلَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ وَيَلْزَمُ رَدُّهُ إلَى وَلِيِّ الصَّغِيرِ الْمَذْكُورِ فِي مَادَّةِ (٩٧٤) لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ: وَهِيَ لَوْ أَخَذَ أَحَدٌ سَرْجًا مِنْ عَلَى ظَهْرِ الْفَرَسِ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى ظَهْرِهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَبْرَأُ ذَلِكَ الشَّخْصُ مِنْ الضَّمَانِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْحَيَوَانُ أَهْلًا لِلْحِفْظِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّادِسِ) وَيَرُدُّ عَلَى الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ لُغْزٌ يُقَالُ فِيهِ أَيُّ غَاصِبٍ لَا يَبْرَأُ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ لِمَالِكِهِ؟ وَيُجَابُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا رَدَّ الْغَاصِبُ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ - الَّذِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالرَّدِّ - الْمَغْصُوبَ بَعْدَ غَصْبِهِ مِنْهُ فَلَا يَبْرَأُ (الْأَشْبَاهُ) وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْمَادَّةُ (٨٩٤) جَوَابًا آخَرَ عَلَى هَذَا اللُّغْزِ أَيْضًا يُقَسَّمُ رَدُّ الْمَغْصُوبِ بِاعْتِبَارِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ وَلِأَجْلِ يُفْهَمُ هَذِهِ الْمَادَّةُ كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُقَسَّمَ مَسْأَلَةُ رَدِّ الْمَغْصُوبِ بِاعْتِبَارِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: كَوْنُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَبِيرًا أَيْ عَاقِلًا وَبَالِغًا. وَقَدْ مَرَّ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (٢ ٨٩) .
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ صَبِيًّا مَأْذُونًا بِالتِّجَارَةِ. وَالرَّدُّ لِهَذَا صَحِيحٌ كَالْعَاقِلِ وَالْبَالِغِ. فَعَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا عَيْنًا فَتُرَدُّ عَيْنُهُ وَإِذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَيُرَدُّ بَدَلُهُ لِلصَّبِيِّ فَإِذَا قَبِلَهُ كَانَ صَحِيحًا. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٩٧٢) الْخَانِيَّةُ. وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْهُ فَيُعَامَلُ عَلَى وَجْهِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ صَبِيًّا مَحْجُورًا وَكَانَ مُمَيِّزًا أَيْ عَاقِلًا لِلْحِفْظِ وَالْقَبْضِ وَالْأَخْذِ وَالرَّدِّ، وَرَدَّ إلَيْهِ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ كَانَ الرَّدُّ صَحِيحًا (الْبَزَّازِيَّةُ) .
هَذَانِ الْقِسْمَانِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ الْمُبَيَّنَانِ فِي الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ مَادَّةِ الْمَجَلَّةِ هَذِهِ عَامَّانِ أَيْضًا. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٦٧ ٩) .
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: كَوْنُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ صَبِيًّا غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ رَدَّ الْغَاصِبُ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَانِ الْأَخْذِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الرَّدُّ أَمَّا لَوْ رَدَّهُ قَبْلَ نَقْلِهِ وَتَحَوُّلِهِ مِنْ مَكَانِ الْأَخْذِ يَصِحُّ أَيْضًا وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ اسْتِحْسَانًا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّادِسِ) وَالرَّدُّ الْمُبَيَّنُ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ هُوَ هَذَا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، لَا يَصِحُّ رَدُّ الْبَدَلِ لِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْمَحْجُورِ وَإِنْ صَحَّ رَدُّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَرَدَّ الْغَاصِبُ مِثْلَهَا لِلصَّبِيِّ الْمَذْكُورِ بَعْدَ أَنْ اسْتَهْلَكَهَا فَلَا يَصِحُّ. لِأَنَّ دَفْعَ الْبَدَلِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ مُبَادَلَةً (الْخَانِيَّةُ) وَالْحَاصِلُ يَصِحُّ رَدُّ الْعَيْنِ إلَى الصَّبِيِّ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا. سَوَاءٌ أَكَانَ مَأْذُونًا أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ. أَمَّا فِي رَدِّ بَدَلِ الْمَغْصُوبِ فَلَا يَكْفِي أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا أَيْضًا (جَامِعُ أَحْكَامِ الصِّغَارِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute