للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ تَبَدُّلَ الِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى تَبَدُّلِ الْعَيْنِ وَتُعْتَبَرُ عَيْنُ الْمَغْصُوبِ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بَاقِيَةً وَلَا مَوْجُودَةً فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ مِنْ الْغَاصِبِ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ بِتَبْدِيلِ الْمَغْصُوبِ وَتَغْيِيرِهِ أَبُو السُّعُودِ. الْأَصْلُ: يُوجَدُ أَصْلَانِ فِي مَسَائِلِ الْغَصْبِ.

الْأَصْلُ الْأَوَّلُ: يُسْتَبْدَلُ بِتَبَدُّلِ الِاسْمِ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْمَالِكِ. وَهَذَا الْأَصْلُ يَشْمَلُ عَامَّةَ مَسَائِلِ الْغَصْبِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ طَحَنَ الْغَاصِبُ الْحِنْطَةَ الْمَغْصُوبَةَ أَوْ خَبَزَ الدَّقِيقَ الْمَغْصُوبَ أَوْ عَمِلَ الْقُمَاشَ الْمَغْصُوبَ قَمِيصًا أَوْ نَسَجَ الْخُيُوطَ الْمَغْصُوبَةَ قُمَاشًا أَوْ الْخُوصَ الْمَغْصُوبَ زِنْبِيلًا أَوْ الْخَشَبَ الْمَغْصُوبَ بَابًا أَوْ الْحَدِيدَ الْمَغْصُوبَ سَيْفًا أَوْ جَزَّ الصُّوفَ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَجَعَلَهُ لُبُودًا أَوْ عَصَرَ السِّمْسِمَ الْمَغْصُوبَ زَيْتًا أَوْ عَمِلَ التُّرَابَ الْمَغْصُوبَ لَبِنًا لِلْمَبَانِي أَوْ قِرْمِيدًا أَوْ خَلَّلَ عَصِيرَ الْعِنَبِ الْمَغْصُوبِ فَيَكُونُ قَدْ تَغَيَّرَ الْمَغْصُوبُ وَيَكُونُ قَدْ انْقَطَعَ مِنْهُ حَقُّ الْمَالِكِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَفِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشَرَ، الْكِفَايَةُ الْعَيْنِيُّ، الْخَانِيَّةُ) . مَثَلًا لَوْ عَمِلَ الْغَاصِبُ الْحِنْطَةَ الْمَغْصُوبَةَ دَقِيقًا فَيَكُونُ قَدْ اسْتَهْلَكَهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ هُوَ مَا يَأْتِي: أَنَّ الْحِنْطَةَ قَبْلَ الطَّحْنِ تَكُونُ حَبَّةً مَشْقُوقَةَ الْبَطْنِ وَبَعْدَ الطَّحْنِ لَا تَبْقَى تِلْكَ الصُّورَةُ وَزَوَالُهَا مَعْنًى هُوَ أَنَّ الْحِنْطَةَ تَكُونُ قَبْلَ الطَّحْنِ قَابِلَةً لِلزَّرْعِ وَالْقَلْيِ لِأَنَّهَا تُطْبَخُ هَرِيسَةً وَلَا تَصْلُحُ بَعْدَ الطَّحْنِ كَذَلِكَ وَبِثُبُوتِ هَذَا التَّغَايُرِ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ فِي الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ يُصْبِحُ الدَّقِيقُ جِنْسًا آخَرَ عَنْ الْحِنْطَةِ وَيَنْقَطِعُ عَنْهَا حَقُّ الْمَالِكِ فَلَا يَبْقَى لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَقٌّ فِي أَخْذِ الدَّقِيقِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .

كَمَا أَنَّهُ يَزُولُ اسْمُ الْحِنْطَةِ بَعْدَ الطَّحْنِ تُصْبِحُ صُورَتُهَا وَمَعْنَاهَا زَائِلَيْنِ أَيْضًا فَزَوَالُ الِاسْمِ يَثْبُتُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: مَعَ أَنَّ اسْمَهَا قَبْلَ الطَّحْنِ حِنْطَةٌ فَيُصْبِحُ دَقِيقًا بَعْدَ الطَّحْنِ. أَمَّا زَوَالُ الصُّورَةِ فَيَثْبُتُ أَيْضًا كَمَا يَلِي: فَعَلَيْهِ لَوْ أَخَذَ أَحَدٌ تُرَابَ عَرْصَةِ آخَرَ مَمْلُوكَةٍ فَيَعْمَلُ مِنْهَا قِرْمِيدًا فَلَيْسَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ مُدَاخَلَةٌ فِي الْقِرْمِيدِ وَيُضَمِّنَهُ بَدَلَ التُّرَابِ فِي مَحِلِّهِ.

وَقَدْ بُنِيَتْ الْمَادَّةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ مِنْ قَانُونِ الْأَرَاضِي عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ قِيمَةٌ لِلتُّرَابِ فِي مَحِلِّهِ فَلَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ شَيْءٌ (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ١ ٨٨) . وَفِي هَذَا الْحَالِ لَا بَأْسَ فِي انْتِفَاعِ الْغَاصِبِ بِالْقِرْمِيدِ الْمَذْكُورِ (الْكِفَايَةُ الْعَيْنِيُّ، الْخَانِيَّةُ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) كَذَا لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ شَاةَ آخَرَ وَبَعْدَ أَنْ ذَبَحَهَا وَطَبَخَهَا قَالَ مَالِكُهَا لَا آخُذُ قِيمَةَ شَاتِي وَإِنِّي آخُذُهَا مَطْبُوخَةً فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ مِنْ ذَلِكَ اللَّحْمِ. كَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ فُلُوسَ آخَرَ فَعَمِلَ مِنْهَا إنَاءً كَانَ الْغَاصِبُ ضَامِنًا الْفُلُوسَ. لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا عَنْ كَوْنِهَا ثَمَنًا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .

كَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ بَذْرَ دُودِ الْقَزِّ أَيْ دُودِ الْحَرِيرِ فَرَبَّاهُ فَأَصْبَحَ دُودًا فَيُصْبِحُ لِلْغَاصِبِ وَيَضْمَنُ بَدَلَهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>