لَيْسَ بِضَمَانِ غَصْبٍ بَلْ هُوَ ضَمَانُ إتْلَافٍ. وَالْمَادَّةُ (٩٠٧) فَرْعٌ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ أَيْضًا وَهَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْعَقَارِ فَهُوَ جَارٍ أَيْضًا فِي الْمَنْقُولِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ (٩٠٠) . فَلَوْ رَفَعَ التُّرَابَ مِنْ أَرْضِ الْغَيْرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلتُّرَابِ قِيمَةٌ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِرَفْعِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْكَبْسِ وَإِنْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ كَانَ لِلتُّرَابِ قِيمَةٌ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي الْأَرْضِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ وَمَنْ حَفَرَ حُفْرَةً بِأَرْضِ غَيْرِهِ وَأَضَرَّ ذَلِكَ بِأَرْضِهِ يَلْزَمُ النُّقْصَانُ وَقَوْلُهُ أَضَرَّ ذَلِكَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِأَرْضِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) .
وَعَلَيْهِ لَمَّا كَانَ النُّقْصَانُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْعَقَارِ الْمَغْصُوبِ عَلَى وَجْهِ الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ إتْلَافًا لِلْمَغْصُوبِ بِمِقْدَارِهِ فَالضَّمَانُ مُحَقَّقٌ بِمُقْتَضَى الْمَادَّتَيْنِ (٩١٢، ٩١٧) وَالْأَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى هَذَا. لَكِنْ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ الْمَذْكُورُ دُونَ رُبْعِ قِيمَةِ الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ لَزِمَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ حَصْرًا. أَمَّا إذَا كَانَ مُعَادِلًا لِرُبْعِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَكُنْ الْعَقَارُ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ مُوَضَّحٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٩٠٠) فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرٌ فِي تَرْكِ الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ وَتَضْمِينِ الْغَاصِبِ كُلَّ قِيمَتِهِ وَأَخْذِهِ الْعَقَارَ وَتَضْمِينِ الْغَاصِبِ نُقْصَانَ قِيمَتِهِ. مَثَلًا لَوْ هَدَمَ أَحَدٌ مَحِلًّا مِنْ الدَّارِ الْمَمْلُوكَةِ الَّتِي غَصَبَهَا أَوْ خَرِبَتْ بِسُكْنَاهُ أَوْ بِعَمَلِهِ فَطَرَأَ عَلَى قِيمَتِهَا نُقْصَانٌ كَانَ ضَامِنًا مِقْدَارَ النُّقْصَانِ بِالْإِجْمَاعِ. إيضَاحُ الْقُيُودِ فِي الْمِثَالِ:
١ - مَحِلًّا مِنْهَا، لَيْسَ هَذَا التَّعْبِيرُ احْتِرَازِيًّا فَلَوْ غَصَبَ أَحَدٌ دَارَ آخَرَ وَهَدَمَهَا تَغَلُّبًا وَاسْتَهْلَكَ أَنْقَاضَهَا فَلِذَلِكَ الشَّخْصِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ الْمَهْدُومِ مَبْنِيًّا وَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ قِيمَةِ الْعَرْصَةِ. لِأَنَّ الْعَرْصَةَ قَائِمَةٌ (الْمَجْمُوعَةُ الْجَدِيدَةُ) . ٢ - بِسَبَبِ سُكْنَاهُ، أَمَّا إذَا سَكَنَ الْغَاصِبُ الدَّارَ وَلَمْ تَنْهَدِمْ بِسَبَبِ سُكْنَاهُ بَلْ انْهَدَمَتْ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهَا نُقْصَانٌ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. فَلَوْ احْتَرَقَتْ الدَّارُ الْمَغْصُوبَةُ وَالْغَاصِبُ سَاكِنٌ فِيهَا بِحَرِيقٍ وَقَعَ عِنْدَ الْجِيرَانِ أَوْ انْهَدَمَتْ بِزِلْزَالٍ فَلَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ ضَمَانٌ. وَلَمَّا كَانَ قَدْ ذُكِرَ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَأَمْثِلَتِهَا قَيْدُ صُنْعِهِ وَفِعْلِهِ، مَعَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ نُقْصَانٌ أَوْ تَلَفَ بِلَا صُنْعِ الْغَاصِبِ فَتَكُونُ الْمَجَلَّةُ قَدْ أَخَذَتْ فِي الْفِقْرَةِ الْمَذْكُورَةِ بِرَأْيِ الشَّيْخَيْنِ.
وَيَلْزَمُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ الْحَاصِلِ بِصُنْعِ الْغَاصِبِ دُونَ النُّقْصَانِ الْحَاصِلِ بِلَا صُنْعِهِ، وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ النُّقْصَانَ الْحَاصِلَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ يَكُونُ قَدْ وَقَعَ بِإِتْلَافِ الْغَاصِبِ. أَمَّا الْعَقَارُ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا بِإِتْلَافِهِ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ عَنْهُ وَإِثْبَاتُ يَدٍ مُبْطِلَةٍ عَلَيْهِ كَمَا يَكُونُ الْآدَمِيُّ الْحُرُّ مَضْمُونًا بِإِتْلَافِهِ، كَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ أَحَدٌ تُرَابًا مِنْ عَرْصَةٍ لِآخَرَ وَنَقَلَهُ إلَى عَرْصَتِهِ يَكُونُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ. وَعَلَيْهِ فَالْعَقَارُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، بِالْغَصْبِ لِمُلَابَسَةِ عَدَمِ إمْكَانِ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ عَنْهُ فَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute