الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَبْنِيَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ أَبْنِيَةً أَوْ يَغْرِسَ أَشْجَارًا بِمَالِ الْوَقْفِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، فَتَكُونُ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِلْوَقْفِ سَوَاءٌ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي حِينَ الْإِنْشَاءِ بِأَنَّهَا لِلْوَقْفِ أَمْ لَمْ يُصَرِّحْ وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى أَنَّهَا لِنَفْسِهِ أَمْ لَمْ يُشْهِدْ.
الْوَجْهُ الثَّانِي، أَنْ يُنْشِئَ الْمُتَوَلِّي أَبْنِيَةً أَوْ يَغْرِسَ أَشْجَارًا بِمَالِهِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ الَّتِي هُوَ مُتَوَلٍّ عَلَيْهَا، تَكُونُ الْأَشْجَارُ وَالْأَبْنِيَةُ لِلْوَقْفِ إذَا أَطْلَقَ حِينَ الْغَرْسِ وَالْإِنْشَاءِ أَوْ صَرَّحَ بِكَوْنِهَا لِلْوَقْفِ أَمَّا إذَا صَرَّحَ بِكَوْنِهَا لِنَفْسِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ حِينَ الْإِنْشَاءِ أَوْ الْغَرْسِ كَانَتْ مِلْكًا لَهُ. وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَكُونُ هَذَا الْمُتَوَلِّي قَدْ غَصَبَ أَرْضَ الْوَقْفِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى) .
وَإِذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي الَّذِي بَنَى بِمَالِهِ هُوَ الْوَاقِفُ فَيَكُونُ الْبِنَاءُ مَالًا لَهُ أَيْضًا وَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى كَوْنِهِ قَدْ بَنَاهُ لِنَفْسِهِ، وَيَكُونُ قَدْ اغْتَصَبَ عَرْصَةَ الْوَقْفِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُنْشِئَ أَحَدٌ أَبْنِيَةً أَوْ يَغْرِسَ أَشْجَارًا بِأَمْرِ الْمُتَوَلِّي. وَإِذْنِهِ فِي أَرْضِ وَقْفٍ بِشَرْطِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَقْفِ فَتَكُونُ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ لِلْوَقْفِ وَلِذَلِكَ الشَّخْصِ الرُّجُوعُ بِمَصْرُوفَاتِهِ عَلَى الْمُتَوَلِّي. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُنْشِئَ أَحَدٌ أَبْنِيَةً لِلْوَقْفِ بِدُونِ أَمْرِ الْمُتَوَلِّي أَوْ يَغْرِسَ أَشْجَارًا لَهُ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُتَبَرِّعًا بِتِلْكَ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ لِلْوَقْفِ فَعَلَيْهِ لَيْسَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَقْفِ بِمَا صَرَفَهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَلْعُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ، قَدْ وُضِّحَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٥٣٠) أَنَّهُ إذَا غَيَّرَ أَحَدٌ الْوَقْفَ عَنْ حَالِهِ الْأَصْلِيِّ أُبْقِيَ هَذَا التَّغْيِيرُ إذَا كَانَ نَافِعًا لِلْوَقْفِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ نَافِعًا لَهُ فَيَرْجِعُ إلَى حَالِهِ الْأَصْلِيِّ وَيُعَزَّرُ الْمُغَيِّرُ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يَبْنِيَ أَحَدٌ غَيْرُ الْمُتَوَلِّي أَبْنِيَةً أَوْ يَغْرِسَ أَشْجَارًا فِي عَرْصَةِ الْوَقْفِ مُصَرِّحًا بِأَنَّهَا لِنَفْسِهِ أَوْ مُطْلِقًا ذَلِكَ أَيْ لَمْ يَذْكُرْ كَوْنَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْوَقْفِ، فَتَكُونُ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ مِلْكًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَوَلِّي وَالشَّخْصُ الْمَذْكُورُ فِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُتَوَلِّي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ قَدْ أَنْشَأَهُ لِلْوَقْفِ. وَإِذَا احْتَرَقَ الْوَقْفُ الْمُتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْإِجَارَتَيْنِ وَبَنَاهُ الْمُتَصَرِّفُ مُحَدَّدًا كَانَ هَذَا الْبِنَاءُ مَالًا لِلْمُتَصَرِّفِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِهِ لِلْوَقْفِ. لَوْ كَانَ قَدْ كُتِبَ فِي سَنَدِ التَّصَرُّفِ أَنَّ كُلَّ مَا يُبْنَى تَبَرُّعٌ لِلْوَقْفِ فَلَا يَكُونُ تَبَرُّعًا. لِأَنَّ التَّبَرُّعَ حَقٌّ لِلطَّرَفِ الْمُتَبَرِّعِ. وَلَيْسَ حَقًّا لِلْمُتَبَرَّعِ لَهُ. وَإِذَا تُوُفِّيَ صَاحِبُ هَذَا الْبِنَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَ الْبِنَاءُ مَوْرُوثًا لِلْوَرَثَةِ الشَّرْعِيِّينَ وَذَوِي الْأَرْحَامِ أَيْضًا. وَلَا يَعُودُ لِجَانِبِ الْوَقْفِ مَحْلُولًا. وَالْحَالُ أَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ بِالنَّظَرِ إلَى الْأُصُولِ الْمَرْعِيَّةِ عِنْدَ نِظَارَةِ الْأَوْقَافِ يُعَدُّ مَحْلُولًا وَيُضْبَطُ. وَمَعَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ إذْ لَا يَرْضَى بِهِ الْوَاقِفُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ اغْتِصَابًا لِحُقُوقِ الْأَيْتَامِ، وَالْعِبَادِ.
وَإِذَا فُوِّضَ هَذَا الْبِنَاءُ لِآخَرَ بِدَاعِي أَنَّهُ مَحْلُولٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ غَاصِبًا وَآثِمًا. عَلَى أَنَّ وُقُوعَ أَحْوَالٍ كَهَذِهِ فِي الْأَوْقَافِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تُرَاعَى فِيهَا الْمَسَائِلُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَحْضَةُ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ جِدَّ الْأَسَفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute