للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْبُلُوغِ وَكَانَ ظَاهِرُ الْحَالِ مُكَذِّبًا لَهُ فَلَا يُصَدَّقُ إقْرَارُهُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ ظَاهِرُ الْحَالِ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (١٥٧٧) . مَثَلًا إذَا ادَّعَى غُلَامٌ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ عُمُرِهِ وَلَا يُحْتَمَلُ احْتِلَامُهُ بِسَبَبِ ضَعْفِ جُثَّتِهِ لَا يُقْبَلُ ادِّعَاؤُهُ وَلَا تَنْفُذُ عُقُودُهُ وَمُعَامَلَاتُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ، وَإِنْ كَانَتْ جُثَّتُهُ تَتَحَمَّلُ الْبُلُوغَ فَيُسْأَلُ عَنْ صُورَةِ بُلُوغِهِ، يَعْنِي يُسْأَلُ، هَلْ بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْإِحْبَالِ، فَإِذَا بَيَّنَ أَحَدَهُمَا صُدِّقَ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا (الْجَوْهَرَةُ) . كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) .

وَلَا يَلْزَمُهُمَا يَمِينٌ يَعْنِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا يَمِينٌ عَلَى كَوْنِهِمَا بَلَغَا عَلَى الْوَجْهِ الْفُلَانِيِّ. وَلَوْ ادَّعَيَا الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ طُولِبَا بِالْبَيِّنَةِ لِإِمْكَانِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ الْبَدْوِ فَإِنَّهُمَا لَا يُطَالَبَانِ بِالْبَيِّنَةِ لِعَدَمِ التَّأْرِيخِ بَيْنَهُمْ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .

وَالْخُلَاصَةُ أَنَّهُ يُوجَدُ لِهَذَا التَّصْدِيقِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:

أَوَّلُهَا: أَنْ يَكُونَ مُدَّعِي الْبُلُوغِ مُرَاهِقًا، أَيْ أَنْ تَكُونَ الْبِنْتُ قَدْ أَكْمَلَتْ السَّنَةَ التَّاسِعَةَ وَالْغُلَامُ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ ادَّعَى الْبُلُوغَ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ فَلَا يُقْبَلُ ادِّعَاؤُهُ وَلَا الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَا يُنْظَرُ إلَى تَحَمُّلِ جُثَّتِهِ الْبُلُوغَ أَوْ عَدَمِ تَحَمُّلِهَا، وَالْمُبَيَّنُ فِي الْمَادَّةِ (٩٨٨) هُوَ هَذَا.

ثَانِيهَا: كَوْنُ الْجُثَّةِ تَتَحَمَّلُ الْبُلُوغَ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ ادَّعَى مُرَاهِقٌ لَا يَتَحَمَّلُ الْبُلُوغَ أَنَّهُ بَالِغٌ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَالْمُبَيَّنُ فِي الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ هُوَ هَذَا.

ثَالِثُهَا: تَفْسِيرُ الْبُلُوغِ، يَعْنِي بِأَيِّ شَيْءٍ عُلِمَ الْبُلُوغُ، أَيْ يَجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْإِحْبَالِ (أَبُو السُّعُودِ، رَدُّ الْمُحْتَارِ، صُرَّةُ الْفَتَاوَى) .

ثُمَّ إنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُ سُؤَالُهُ وَالِاسْتِقْصَاءُ عَنْ الشَّخْصِ الَّذِي احْتَلَمَ بِهِ، يَعْنِي هَلْ كَانَ احْتِلَامُهُ بِغُلَامٍ أَوْ بِنْتٍ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ أَحْيَانًا يُقِرُّ بِالْبُلُوغِ كَذِبًا بِتَلْقِينِهِ كَيْفِيَّتِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَإِذَنْ فَتَكُونُ أَحْكَامُ هَؤُلَاءِ كَأَحْكَامِ الْبَالِغِينَ وَتُعْتَبَرُ عُقُودُهُمْ كَالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَتَنْفُذُ إقْرَارَاتُهُمْ (الْهِنْدِيَّةُ) . يَعْنِي أَنَّ عُقُودَهُمْ لَا تَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ، وَلَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُمْ. وَلَوْ أَرَادَ الْعَاقِدُ أَوْ الْمُقِرُّ بَعْدَ تِلْكَ الْعُقُودِ وَالْإِقْرَارَاتِ بِمُدَّةٍ أَنْ يَفْسَخَ تَصَرُّفَاتِهِ الْقَوْلِيَّةَ بِأَنْ يَقُولَ: إنِّي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَيْ حِينَ أَقْرَرْت بِالْبُلُوغِ، لَمْ أَكُنْ بَالِغًا وَكَذَبْتُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (١٠٠) (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) . فَعَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ صَغِيرٌ أَكْمَلَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ، وَجُثَّتُهُ تَتَحَمَّلُ الْبُلُوغَ، بِأَنَّهُ بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ أَنْ صَالَحَ عَلَى أَلْفِ قِرْشٍ فِي ذِمَّةِ أَحَدٍ بِأَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ مَثَلًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَ الصُّلْحِ بَالِغًا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .

صَبِيٌّ بَاعَ وَاشْتَرَى، وَقَالَ أَنَا بَالِغٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَا غَيْرُ بَالِغٍ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ الْبُلُوغُ فِيهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى جُحُودِهِ بَعْدَ ذَلِكَ (الْجَوْهَرَةُ) وَلَا يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ بِمُجَرَّدِ صَيْرُورَةِ الشَّخْصِ مُرَاهِقًا وَمُرَاهِقَةً، أَيْ بِبُلُوغِ مَبْدَأِ سِنِّ الْبُلُوغِ، بَلْ يَجِبُ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَجَلَّةِ أَنْ يَدَّعِيَ الْبُلُوغَ وَأَنْ يُقِرَّ بِذَلِكَ، مَثَلًا إذَا أَكْمَلَ صَغِيرٌ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ وَلَمْ يُقِرَّ بِبُلُوغِهِ، لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ بِمُجَرَّدِ إكْمَالِهِ سِنَّ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .

<<  <  ج: ص:  >  >>