وَالْأَمْوَالُ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ قَدْ وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي الْمَوَادِّ (٢٧ ٤ و ٥٣٦ و ١ ٥٥ و ٥٥٢ و ٥٣ ٥) . فَلِذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدِ صَاحِبَيْ الثِّيَابِ الْمُشْتَرَكَةِ لُبْسُهَا بِلَا إذْنٍ فِي غِيَابِ الشَّرِيكِ وَإِذَا لَبِسَهَا يُعَدُّ غَاصِبًا وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ إذَا تَلِفَتْ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) لِأَنَّ لُبْسَ الثِّيَابِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّابِسِ. كَذَلِكَ إذَا لَمْ تَتْلَفْ الثِّيَابُ وَطَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا فَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ فِي النُّقْصَانِ.
وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَرْكَبَ الْبِرْذَوْنَ الْمُشْتَرَكَ فِي غِيَابِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ أَيْ بِلَا إذْنِهِ، يَعْنِي لَوْ كَانَ بِرْذَوْنٌ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ الْحَاضِرِ الِانْتِفَاعُ بِالْبِرْذَوْنِ بِأَنْ يَرْكَبَهُ يَوْمًا وَيَتْرُكَهُ يَوْمًا لِأَنَّ رَكُوبَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الرُّكُوبَ مُضِرٌّ بِالْحَيَوَانِ أَكْثَرَ مِنْ رَكُوبِ مَنْ يُحْسِنُهُ وَلِذَلِكَ فَالرُّكُوبُ عَلَى الْحَيَوَانِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الرَّاكِبِينَ وَعَلَى هَذَا الْحَالِ إذَا رَكِبَ الشَّرِيكُ الْحَيَوَانَ وَتَلِفَ يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ فِي الْغَصْبِ، وَعَبْدُ الْحَلِيمِ فِي الْإِجَارَةِ) . وَعِبَارَةُ (فِي غِيَابِهِ) الْوَارِدَةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ بِمَعْنَى بِلَا إذْنٍ حَتَّى أَنَّهُ قَدْ اُسْتُعْمِلَتْ عِبَارَةُ (إذْنِ شَرِيكِهِ) فِي كِتَابِ لِسَانُ الْحُكَّامِ مَحَلٌّ فِي غِيَابِهِ. وَعَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ - وَلَوْ كَانَ شَرِيكُهُ غَيْرَ غَائِبٍ - أَنْ يَرْكَبَ الْبِرْذَوْنَ الْمُشْتَرَكَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ. أَمَّا فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَتَحْمِيلِ الْحَمْلِ وَالْحَرْثِ فَلِأَحَدِ صَاحِبَيْ الْبِرْذَوْنِ الْمُشْتَرَكِ فِي غِيَابِ شَرِيكِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي الْحِرَفِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً فَيَسْتَعْمِلُهُ الشَّرِيكُ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ يَوْمًا وَيَتْرُكُهُ يَوْمًا وَإِذَا كَانَتْ حِصَّتُهُ فِي الْحَيَوَانِ ثُلُثًا فَيَسْتَعْمِلُهُ فِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ يَوْمًا وَيَتْرُكُهُ يَوْمَيْنِ خَالِيًا فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَتَلِفَ الْحَيَوَانُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعْمِلَ ضَمَانٌ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (١ ٩) .
وَيُشَارُ بِقَيْدِ (بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) إلَى أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ أَكْثَرَ مِنْ حِصَّتِهِ فَيُعَدُّ غَاصِبًا وَإِنْ يَكُنْ قَدْ ذَكَرَ فِي الْمَادَّةِ (٧٥ ١) أَنَّهُ إذَا حَمَّلَ الْبِرْذَوْنَ حِمْلًا بِلَا إذْنِ الشَّرِيكِ وَتَلِفَ أَثْنَاءَ السَّيْرِ فَيَضْمَنُ الشَّرِيكُ إلَّا أَنَّ الْإِيضَاحَاتِ الْمُقْتَضِيَةَ فِي ذَلِكَ الْخُصُوصِ قَدْ وَضَحَتْ هُنَاكَ كَذَلِكَ إذَا غَابَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَلِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ الْخَادِمَ الْأَجِيرَ مُشْتَرَكًا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ أَيْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَادِمُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً فَيَسْتَخْدِمُهُ يَوْمًا لِحِصَّتِهِ وَيَتْرُكُهُ يَوْمًا لِحِصَّةِ شَرِيكِهِ فَإِذَا اسْتَخْدَمَهُ مُسْتَمِرًّا فَيَكُونُ غَاصِبًا حِصَّةَ شَرِيكِهِ وَيَضْمَنُ فِي حَالَةِ التَّلَفِ (لِسَانُ الْحُكَّامِ) . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الِاسْتِخْدَامِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ: إنَّ الِاسْتِخْدَامَ الْمَذْكُورَ غَصْبٌ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ إلَّا أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ اخْتَارَتْ الْقَوْلَ الْقَائِلَ بِالْجَوَازِ بَيْدَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ سُكْنَى ذَوِي الْعَائِلَةِ الْكَثِيرَةِ فِي دَارٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ، وَاسْتِعْمَالُ الْخَادِمِ إذَا كَانَتْ الْأَعْمَالُ كَثِيرَةً يَخْتَلِفُ أَيْضًا بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَلَعَلَّ الْمَجَلَّةَ بِتَغْيِيرِهَا الْأُسْلُوبَ وَقَوْلِهَا (وَكَذَلِكَ إذَا غَابَ إلَخْ) هُوَ لِلْإِشَارَةِ إلَى ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute