وَيُفْهَمُ أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ اخْتَارَتْ الرِّوَايَةَ الْأُولَى إلَّا أَنَّ ذِكْرَ كَافِ التَّشْبِيهِ يَجْعَلُ مَحَلًّا لِلظَّنِّ بِأَنَّ الْحُكْمَ شَامِلٌ لِلرِّوَايَتَيْنِ مَعًا وَلَكِنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ هُنَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى مُدَّةِ السُّكْنَى كَمَا بَيَّنَ شَرْحًا وَلَيْسَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى الِانْتِفَاعِ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى الِانْتِفَاعِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى جَمْعِ قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ.
وَإِنْ شَاءَ انْتَفَعَ بِالدَّارِ بِأَكْثَرَ مِنْ حِصَّتِهِ أَيْ بِكُلِّ الدَّارِ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (٨٣ ١) " أَنَّهُ إذَا غَابَ أَحَدُ صَاحِبَيْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ فَلِلشَّرِيكِ الْحَاضِرِ أَنْ يَسْكُنَ فِي كُلِّ الدَّارِ مُسْتَمِرًّا مُدَّةَ غِيَابِ شَرِيكِهِ إذَا كَانَتْ السُّكْنَى لَا تُنْقِصُ مِنْ قِيمَةِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مُضِرَّةٍ بِالشَّرِيكِ الْغَائِبِ بَلْ إنَّهَا نَافِعَةٌ " بِمُوجَبِ الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (٨٣ ١) . فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْكُنَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ مُتَمَادِيًا لِأَنَّ فِي السُّكْنَى الْمَذْكُورَةِ فَائِدَةً لِلْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ مَعًا وَمَنْفَعَةُ الْحَاضِرِ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ أَمَّا مَنْفَعَةُ الْغَائِبِ فَهِيَ إذَا سَكَنَ الْحَاضِرُ فِي جَمِيعِ الدَّارِ فَلِلْغَائِبِ حَقٌّ عِنْدَ حُضُورِهِ أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ بِمِقْدَارِ سُكْنَى الْحَاضِرِ فِيهَا وَالْحُكْمُ فِي الْأَرَاضِي أَيْضًا هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ (الْخَانِيَّةُ فِي الْمُزَارَعَةِ) فَلِذَلِكَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرْقٌ بَيْنَ السُّكْنَى فِي الدَّارِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ. وَقَدْ تَرَكَتْ الْمَجَلَّةُ الشِّقَّ الثَّانِيَ مِنْ هَذَا الْخِيَارِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَأَتَتْ بِهِ فِي الْمَادَّةِ (٨٥ ١) وَبَيَّنَتْ الشِّقَّ الْأَوَّلَ مِنْ هَذَا الْخِيَارِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَتَرَكَتْ ذِكْرَهُ فِي الْمَادَّةِ (٨٥ ١) وَحُصُولُ هَذِهِ الصَّنْعَةِ فِي الْكَلَامِ يُطْلَقُ عَلَيْهَا احْتِبَاكٌ وَهُوَ حَذْفُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فِي الْأَوَّلِ الَّذِي يَثْبُتُ نَظِيرُهُ فِي الثَّانِي وَحَذْفُ الْكَلَامِ الثَّانِي الَّذِي يَثْبُتُ نَظِيرُهُ فِي الْأَوَّلِ وَقَدْ اخْتَرَعَ مُتَأَخِّرُو الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الصَّنْعَةَ فِي الْكَلَامِ، وَالِاحْتِبَاكُ هُوَ مِنْ أَلْطَفِ وَأَبْدَعِ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ وَيُدْعَى أَيْضًا حَذْفُ الْمُقَابِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ} [الأحزاب: ٢٤] فَلَا يَتُوبَ عَلَيْهِمْ {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: ٢٤] فَلَا يُعَذِّبَهُمْ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [يونس: ٦٧] أَيْ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ مُظْلِمًا لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ. جَوَازُ السَّكَنِ فِي جَمِيعِ الدَّارِ: أَنَّ سُكْنَى الشَّرِيكِ فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ مُدَّةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَتَرْكَهَا مُدَّةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَجَلَّةِ هُوَ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنْ خَرَابِ الدَّارِ.
أَمَّا إذَا خِيفَ مِنْ خَرَابِ الدَّارِ إذَا تُرِكَتْ خَالِيَةً مُدَّةً فَلِلشَّرِيكِ الْحَاضِرِ أَنْ يَسْكُنَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَكُونُ انْتِفَاعُ الشَّرِيكِ مُضِرًّا بِالْغَائِبِ بَلْ يَكُونُ نَافِعًا لَهُ إذْ تُصَانُ وَتُحْفَظُ حِصَّةُ الْغَائِبِ مِنْ الْخَرَابِ. وَعَلَيْهِ فَالسُّكْنَى فِي كُلِّ الدَّارِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمَادَّةِ (٧٩ ١) كَمَا أَنَّهُ لِلْقَاضِي تَأْجِيرُ تِلْكَ الدَّارِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ (الْخَانِيَّةُ فِي الْمُزَارَعَةِ وَتَعْلِيقَاتُ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) وَلَكِنْ هَلْ لِلْغَائِبِ إذَا حَضَرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (٨٣ ٠ ١) أَمَّا إذَا كَانَ أَوْلَادُ وَعِيَالُ الشَّرِيكِ الْحَاضِرِ كَثِيرِينَ فَتَكُونُ سُكْنَى الدَّارِ مُخْتَلِفَةً بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ مِثْلُ الرُّكُوبِ عَلَى الْبِرْذَوْنِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ بَلْ إنَّهُ يُوجَدُ فِي سُكْنَى الدَّارِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ اخْتِلَافٌ وَتَفَاوُتٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعْمِلِينَ أَكْثَرَ مِنْ التَّفَاوُتِ فِي رُكُوبِ الْحَيَوَانِ وَلِذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ أَنَّ لِلْغَائِبِ رِضًى فِي ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ لِلشَّرِيكِ الْحَاضِرِ حَقُّ الِانْتِفَاعِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute