كَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الْآمِرَ قَدْ قَبَضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَأَنْكَرَ الْآمِرُ يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ. وَعَلَيْهِ إعْطَاءُ النِّصْفِ الْآخَرِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ حَسَبَ زَعْمِ الْبَائِعِ وَاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْمَدِينَ قَدْ أَعْطَى حِصَّةَ نَفْسِهِ لِلْآمِرِ وَقَدْ كَانَ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَيَشْتَرِك الْآمِرُ فِي النِّصْفِ الْمَذْكُورِ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ أَيْ أَنَّهُ يَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْهُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (١ ٠ ١ ١) لِأَنَّهُ فِي زَعْمِ.
وَاعْتِقَادِ الْآمِرِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ شَيْئًا فَكَانَ مَقْبُوضُ الْبَائِعِ مُشْتَرَكًا (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الرَّابِعِ فِي التَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) . لَكِنْ مَاذَا يَصِيرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي رُبْعِ الدَّيْنِ الْآخَرِ الْعَائِدِ لِلْآمِرِ هَلْ يَسْقُطُ أَوْ أَنَّ لِلْآمِرِ أَنْ يَضْمَنَهُ لِلْبَائِعِ كَمَا وَضَّحَ آنِفًا؟ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ إيجَادُ نَقْلٍ. وَعِبَارَةُ (الْإِبْرَاءِ) الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ هِيَ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ التَّأْجِيلِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَادَّةِ (٢ ١ ١ ١) أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ تَأْجِيلُ حِصَّتِهِ أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ الْإِبْرَاءُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْجِيلُ مَا دَامَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْمُؤَبَّدَ جَائِزٌ فَكَانَ مِنْ الْأَوْلَى جَوَازُ الْإِبْرَاءِ الْمُوَقَّتِ وَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ سَيُبَيَّنُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٢ ١ ١ ١) . وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إتْلَافٌ فَلَا يَكُونُ دَخَلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ وَلَا تُمْكِنُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْمُشَارَكَةَ تَقْضِي قَبْضَ الدَّيْنِ وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (أَبُو السُّعُودِ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَفِي هَذَا الْحَالِ يَبْقَى الْمَبْلَغُ الْبَاقِي فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ لِشَرِيكِهِ حَصْرًا. كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ بَعْضَ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ لِلْمَدِينِ أَوْ أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ صَحِيحًا ٠ وَفِي هَذَا الْحَالِ لَوْ أَدَّى الْمَدِينُ مِقْدَارًا مِنْ الدَّيْنِ الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ يَقْتَسِمُهُ الشَّرِيكَانِ الدَّائِنَانِ بِنِسْبَةِ بَاقِي مَطْلُوبِهِمَا وَذَلِكَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ أَلْفَ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَبْرَأَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْمَدِينَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ دَفَعَ الْمَدِينُ تِسْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَتَكُونُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ التِّسْعِمِائَةِ الدِّرْهَمِ مِنْ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ لِلشَّرِيكِ الْمُبْرِئِ، وَالْخَمْسُمِائَةِ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ (الْهِنْدِيَّةُ) . كَذَلِكَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ عِشْرِينَ دِينَارًا وَأَبْرَأَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْمَدِينَ مِنْ نِصْفِ حِصَّتِهِ فَيَكُونُ ثُلُثُ الْمَبْلَغِ الْبَاقِي فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ وَهُوَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا لِلشَّرِيكِ الْمُبْرِئِ وَالثُّلُثَانِ الْبَاقِيَانِ أَيْ الْعَشَرَةُ الدَّنَانِيرُ لِلشَّرِيكِ الْغَيْرِ الْمُبْرِئِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . حِيلَةٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمَبْلَغُ الْمَقْبُوضُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ خَاصًّا بِهِ: يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ حِيلَةٌ لِتَخْصِيصِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مَقْبُوضَهُ مِنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَدِينَ يَهَبُ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ مَبْلَغًا بِمِقْدَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيُسْلِمُهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَهَبُ الشَّرِيكُ الدَّائِنَ الْمَدِينَ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ يُبَرِّئُهُ مِنْهَا وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يَتَدَاخَلَ فِي الْمَبْلَغِ الَّذِي قَبَضَهُ شَرِيكُهُ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ (الْبَهْجَةُ) . إلَّا أَنَّهُ يُوجَدُ مَحْذُورٌ فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ الْمَدِينُ لِلدَّائِنِ مَبْلَغًا مُعَادِلًا لِمِقْدَارِ الدَّيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute