الْقَرَارِ فِي التَّحْتَانِيِّ وَلِصَاحِبِ التَّحْتَانِيِّ حَقُّ السَّقْفِ فِي الْفَوْقَانِيِّ أَيْ حَقُّ التَّسَتُّرِ وَالتَّحَفُّظِ مِنْ الشَّمْسِ وَالْمَطَرِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا مُضِرًّا بِالْآخَرِ بِدُونِ إذْنِهِ (الْبَحْرُ) . وَكَوْنُ الْفَوْقَانِيِّ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْفَوْقَانِيِّ وَالتَّحْتَانِيِّ مِلْكًا لِصَاحِبِ التَّحْتَانِيِّ مِمَّا يَجُوزُ تَصَرُّفُ أَصْحَابِهِمَا وَلَكِنْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ مِمَّا يَمْنَعُ هَذَا التَّصَرُّفَ فَإِذَا اجْتَمَعَ الْمَانِعُ وَالْمُقْتَضَى فَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا أَيْ عُمِلَ بِهِمَا مَعًا وَذَلِكَ لِصَاحِبِ الْفَوْقَانِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا غَيْرَ مُضِرٍّ لِأَنَّ الْفَوْقَانِيَّ مِلْكٌ لَهُ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا مُضِرًّا لِأَنَّ لِصَاحِبِ التَّحْتَانِيِّ حَقًّا فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لِصَاحِبِ التَّحْتَانِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي التَّحْتَانِيِّ تَصَرُّفًا غَيْرَ مُضِرٍّ لِأَنَّ التَّحْتَانِيَّ مِلْكٌ لَهُ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ تَصَرُّفًا مُضِرًّا لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْفَوْقَانِيِّ حَقًّا فِي ذَلِكَ فَلِذَلِكَ لَيْسَ لِصَاحِبِ التَّحْتَانِيِّ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا وَكَوَّةً مُجَدَّدًا إذَا كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِصَاحِبِ الْفَوْقَانِيِّ الْبَحْرُ وَالطَّحْطَاوِيُّ.
قَدْ قِيلَ فِي هَذَا الْمِثَالِ: إذَا كَانَ مُضِرًّا، لِأَنَّهُ يُوجَدُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ:
الْحَالُ الْأَوَّلُ - أَنْ يَكُون مُضِرًّا حَتْمًا فَفِي هَذَا الْحَالِ يُمْنَعُ صَاحِبُ الْمَالِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَتَصَرَّفَ صَاحِبُ التَّحْتَانِيِّ فِي التَّحْتَانِيِّ بِشَيْءٍ يَكُونُ ضَرَرُهُ مُتَيَقَّنًا لِلْآخَرِ كَدَقِّ مِسْمَارٍ فِي الْحَائِطِ مِنْ الْخَشَبِ أَوْ الْحَدِيدِ لِتَعْلِيقِ، أَوْ رَبْطِ شَيْءٍ وَفَتْحِ كَوَّةٍ وَبَابٍ وَإِحْدَاثِ صَاحِبِ الْفَوْقَانِيِّ بِنَاءَ طَابَقٍ آخَرَ مُضِرًّا بِصَاحِبِ التَّحْتَانِيِّ وَإِحْدَاثِ كَنِيفٍ أَوْ وَضْعِ جُذُوعٍ فَلَيْسَ لَهُمَا التَّصَرُّفُ بِذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي مِثَالِ الْمَجَلَّةِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ التَّحْتَانِيِّ حَفْرُ بِئْرٍ أَوْ مَخْزَنٍ فِي سَاحَةِ الدَّارِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِصَاحِبِ الْفَوْقَانِيِّ.
الْحَالُ الثَّانِي - أَنْ لَا يَكُونَ مُضِرًّا حَتْمًا فَفِي هَذَا الْحَالِ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ كَدَقِّ الْمِسْمَارِ الصَّغِيرِ وَالْوَسَطِ. وَمَعْرِفَةُ الضَّرَرِ مِنْ عَدَمِهِ يُعْلَمُ بِإِخْبَارِ شَخْصَيْنِ لَهُمَا حَذَاقَةٌ وَبَصَرٌ فِي الْبِنَاءِ قَالَ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] .
الْحَالُ الثَّالِثُ - أَنْ لَا يَكُونَ مَعْلُومًا ضَرَرُهُ مِنْ عَدَمِهِ وَفِي هَذَا الْحَالِ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ فَجَائِزٌ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالطَّحْطَاوِيُّ وَالْهِنْدِيَّةُ وَالتَّنْقِيحُ) . وَلَا أَنْ يَهْدِمَ بِنَاءَ نَفْسِهِ، أَيْ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْفَوْقَانِيِّ هَدْمُ فَوْقَانِيِّهِ بِدُونِ رِضَاءِ صَاحِبِ التَّحْتَانِيِّ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ التَّحْتَانِيِّ هَدْمُ تَحْتَانِيِّهِ بِدُونِ رِضَاءِ صَاحِبِ الْفَوْقَانِيِّ.
فَإِذَا هَدَمَ صَاحِبُ الْفَوْقَانِيِّ فَوْقَانِيَّهُ بِلَا رِضَاءِ الْآخَرِ وَطَلَبَ صَاحِبُ التَّحْتَانِيِّ إعَادَةَ الْبِنَاءِ فَالظَّاهِرُ هُوَ عَدَمُ إجْبَارِ صَاحِبِ الْفَوْقَانِيِّ عَلَى الْبِنَاءِ لِأَنَّ سَقْفَ التَّحْتَانِيِّ هُوَ لِصَاحِبِ التَّحْتَانِيِّ فَلَا يَتَرَتَّبُ ضَرَرٌ لِصَاحِبِ التَّحْتَانِيِّ فَلِذَلِكَ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْفَوْقَانِيِّ عَلَى الْبِنَاءِ (التَّنْقِيحُ) .
أَمَّا إذَا هَدَمَ صَاحِبُ التَّحْتَانِيِّ تَحْتَانِيَّهُ بِلَا رِضَاءِ الْآخَرِ فَيُجْبَرُ صَاحِبُ التَّحْتَانِيِّ عَلَى الْبِنَاءِ لِأَنَّ الْهَدْمَ قَدْ أَتْلَفَ حَقَّ الْغَيْرِ الْمُلْحَقَ بِمِلْكِهِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَمَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فِي حَالِ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٩١٢) فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِالْبِنَاءِ لِتَفْوِيتِهِ حَقًّا اسْتَحَقَّهُ وَلِيَصِلَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ لِنِصْفِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْوَاقِعَاتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute