الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - إذَا اشْتَغَلَ أَحَدٌ فِي التِّجَارَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْحَانُوتِ الْكَائِنِ تَحْتَ دَارِهِ فَلَيْسَ لِأَصْحَابِ الدُّورِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْحَانُوتِ الْمَذْكُورِ سَدُّ حَانُوتِهِ بِدَاعِي أَنَّ الَّذِينَ يَأْتُونَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إلَى حَانُوتِهِ يَرَوْنَ نِسَاءَهُمْ حِينَ خُرُوجِهِنَّ مِنْ الْبَيْتِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - إذَا حَفَرَ أَحَدٌ بِئْرًا فِي أَرْضِهِ الْمِلْكِ وَجَذَبَ مَاءَ بِئْرِ جَارِهِ فَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ حَفْرِ بِئْرِهِ (الْفَتَاوَى الْجَدِيدَةُ) . اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (١١٩٤) . مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ فَاحِشٌ لِلْغَيْرِ مِنْ تَصَرُّفِ صَاحِبِ الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ فَفِي تِلْكَ الصُّورَةُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا سَيُفَصَّلُ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي الْآتِي الذِّكْرَ.
وَإِذَا حَصَلَ اشْتِبَاهٌ فِي حُصُولِ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ مِنْ عَدَمِ حُصُولِهِ أَيْ كَانَ مُشْكِلًا فَيُمْنَعُ أَيْضًا مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا ذَكَرَ مُحَشِّي الْأَشْبَاهُ. وَقَدْ مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١١٩٢) تَفْصِيلُ ذَلِكَ.
أَمَّا صَاحِبُ رَدِّ الْمُحْتَارِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي مَبْحَثٍ مَسَائِلَ شَتَّى الْقَضَاءِ أَنَّ الْمَنْعَ يَكُونُ فِي صُورَةِ وُجُودِ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ وَأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ فِيمَا إذَا كَانَ الضَّرَرُ مُشْكِلًا وَغَيْرَ بَيِّنٍ.
وَلِنُبَادِرَ إلَى إيضَاحِ فِقْرَةِ (مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ لِلْغَيْرِ) وَذَلِكَ أَنَّ فِي تَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِهِ حُكْمَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا حُكْمٌ قِيَاسِيٌّ فَبِحَسْبِ الْقِيَاسِ لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَاحِشٌ لِلْغَيْرِ أَوْ كَانَ ضَرَرٌ غَيْرُ فَاحِشٍ أَوْ لَيْسَ فِيهِ أَيُّ ضَرَرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ الْخَاصِّ وَالرِّوَايَةُ الظَّاهِرَةُ هِيَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ رَجَّحَ هَذَا الرَّأْيَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ الشِّحْنَةِ وَابْنِ الْهُمَامِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِسَبَبِ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ الْوَارِدِ ذِكْرُهُ فِي الْمَادَّةِ (١٢٠٠) .
ثَانِيهُمَا: حُكْمٌ اسْتِحْسَانِيُّ، فَبِحَسْبِ هَذَا الْحُكْمِ يُمْنَعُ الْإِنْسَانُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَاحِشٌ لِلْغَيْرِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الضَّرَرُ فَاحِشًا فَلَا يُمْنَعُ سَوَاءٌ كَانَ تَصَرُّفُهُ غَيْرَ مُضِرٍّ مُطْلَقًا أَوْ كَانَ مُضِرًّا ضَرَرًا غَيْرَ فَاحِشٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ اخْتَارَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ، وَبِمَا أَنَّ مَشَايِخَ الْإِسْلَامِ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ مِنْ عَهْدِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ إلَى هَذَا الْآنَ قَدْ أَفْتَوْا بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ اخْتَارَتْ الْمَجَلَّةُ هَذَا الْقَوْلَ.
وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ (الضَّرَرُ الْفَاحِشُ) أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الضَّرَرُ فَاحِشًا لَا يُمْنَعُ فَكَأَنَّهُ إذَا وَسِعَ أَمْرُ الْمَنْعِ عَلَى كُلِّ ضَرَرٍ أَيْ بِأَنْ شَمَلَ الضَّرَرَ الْفَاحِشَ وَالْغَيْرَ الْفَاحِشِ يُوجِبُ ذَلِكَ انْسِدَادَ بَابِ إمْكَانِ انْتِفَاعِ الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِهِ.
مَثَلًا لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ شَجَرَةٌ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِي بُسْتَانِهِ وَكَانَ جَارُهُ يَنْتَفِعُ بِظِلِّهَا وَأَرَادَ صَاحِبُهَا قَطْعَهَا فَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ قَطْعِهَا بِدَاعِي حِرْمَانِهِ مِنْ ظِلِّهَا (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَفَتْحُ الْقَدِيرِ وَالطَّحْطَاوِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى الْقَضَاءِ) .