الْمَجَارِي الْمَمْلُوكَةِ هُوَ لِأَصْحَابِهَا وَلِلْآخَرِينَ فِيهَا حَقُّ الشَّفَةِ فَعَلَيْهِ لَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْقِيَ أَرَاضِيَهُ مِنْ نَهْرٍ مَخْصُوصٍ بِجَمَاعَةٍ أَوْ جَدْوَلٍ أَوْ قَنَاةٍ أَوْ بِئْرٍ بِلَا إذْنِهِمْ لَكِنْ يَسُوغُ لَهُ شُرْبُ الْمَاءِ بِسَبَبِ حَقِّ شَفَتِهِ وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُورِدَ حَيَوَانَاتِهِ وَيَسْقِيَهَا إذَا لَمْ يَخْشَ مِنْ تَخْرِيبِ النَّهْرِ أَوْ الْجَدْوَلِ أَوْ الْقَنَاةِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْحَيَوَانَاتِ وَكَذَلِكَ لَهُ أَخْذُ الْمَاءِ مِنْهَا إلَى دَارِهِ وَجُنَيْنَتِهِ بِالْجَرَّةِ وَالْبِرْمِيلِ) .
حَقُّ الشِّرْبِ فِي الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ أَيْ فِي الْمِيَاهِ الدَّاخِلَةِ فِي الْمَجَارِي الْمَمْلُوكَةِ هُوَ لِأَصْحَابِهَا أَيْ مَخْصُوصٌ وَمَحْصُورٌ فِي أَصْحَابِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَنْهَارُ الْمَمْلُوكَةُ عَامَّةً أَوْ خَاصَّةً. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٢٣٩ ١) .
وَالنَّهْرُ الَّذِي يُفْرِزُهُ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّهْرِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكِ وَيَجُرُّونَهُ إلَى أَرَاضِيهِمْ مِنْ الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ وَإِذَا سَقَى أَصْحَابُ النَّهْرِ الْمَذْكُورِ أَرَاضِيهِمْ مِنْهُ حَسْبَ الْمُعْتَادِ أَيْ بِدَرَجَةِ تَحَمُّلِ أَرَاضِيهِمْ عَادَةً فَفَاضَتْ الْمِيَاهُ وَأَضَرَّتْ بِأَرَاضِي جِيرَانِهِمْ فَلَا يَضْمَنُونَ هَذِهِ الْمَضَرَّةَ، أَمَّا إذَا سَقَوْا أَرَاضِيهِمْ خِلَافَ الْمُعْتَادِ وَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ لِجِيرَانِهِمْ فَيَضْمَنُونَ الضَّرَرَ، كَذَلِكَ إذَا سَقَى أَحَدٌ أَرْضَهُ وَكَانَ فِيهَا حُفْرَةٌ فَتَسَرَّبَتْ الْمِيَاهُ مِنْهَا وَأَضَرَّتْ بِالْجَارِ فَيُنْظَرُ: فَإِذَا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَالِمًا بِوُجُودِ الْحُفْرَةِ فَيَضْمَنُ الضَّرَرَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَلَا يَضْمَنُ. أَمَّا لَوْ أَجْرَى أَحَدٌ الْمِيَاهَ إلَى أَرَاضِيهِ فِي غَيْرِ نَوْبَتِهَا أَوْ زِيَادَةٍ عَنْ تَحَمُّلِهَا أَوْ حَوَّلَ الْمَاءَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الشِّرْبِ وَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ مَضَرَّةٌ لِجَارِهِ كَأَنْ اسْتَوْلَتْ الْمِيَاهُ عَلَى مَزْرَعَةِ جَارِهِ أَوْ تَلِفَتْ مَزْرُوعَاتُهُ فَيَضْمَنُ. اُنْظُرْ مَادَّتَيْ (١ ٩ و ٩٣) (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْهِنْدِيَّةُ وَالْكَفَوِيِّ فِي الشِّرْبِ) . وَلِلْآخَرِينَ أَيْ لِجَمِيعِ النَّاسِ غَيْرَ أَصْحَابِهَا حَقُّ الشَّفَةِ فَعَلَيْهِ لَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْقِيَ أَرَاضِيَهُ وَمَزْرُوعَاتِهِ وَأَشْجَارَهُ مِنْ نَهْرٍ مَخْصُوصٍ بِجَمَاعَةٍ أَوْ قَنَاةٍ أَوْ بِئْرِ أَحَدٍ أَوْ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهَا بِتَدْوِيرِ طَاحُونَةٍ عَلَى مَائِهَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِأَصْحَابِهَا أَوْ غَيْرَ مُضِرٍّ وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّالِبُ لِلسَّقْيِ مُضْطَرًّا لِلسَّقْيِ أَوْ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لَهُ وَلَيْسَ لِلْوَالِي أَوْ الْقَاضِي أَنْ يَمْنَحَ أَحَدًا لَيْسَ لَهُ حَقُّ الشِّرْبِ، حَقَّ الشِّرْبِ فِي الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا أَوْ غَيْرَ مُضِرٍّ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٩٦) ، لِأَنَّ حَقَّ الشِّرْبِ فِي الْمِيَاهِ الدَّاخِلَةِ فِي مُقَاسِمٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ هُوَ عَائِدٌ لِأَصْحَابِهَا وَشَرِكَةُ حَقِّ الشُّرْبِ فِي الْمَاءِ مُنْقَطِعَةٌ فَيَجِبُ لِلِانْتِفَاعِ بِالشَّرْبِ مِنْ هَذِهِ الْمِيَاهِ إذْنُ أَصْحَابِهَا لِأَنَّ إبَاحَةَ الشُّرْبِ تُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الشَّرِيكِ الْآخَرِ وَلَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ (الزَّيْلَعِيّ وَالْهِنْدِيَّةُ) .
مَثَلًا لَوْ أَنَّ أَصْحَابَ النَّهْرِ الْمَخْصُوصِ بِجَمَاعَةٍ أَذِنُوا لِلْآخَرِ بِالسَّقْيِ وَكَانَ أَحَدُ أَصْحَابِ النَّهْرِ غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا فَلَا يَجُوزُ لِذَلِكَ الْآخَرِ سَقْيُ أَرَاضِيهِ بِهَذَا الْإِذْنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . أَمَّا إذَا سَقَى بِلَا إذْنٍ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْمَاءِ لِأَنَّ الْمَاءَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ وَإِتْلَافَ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلَكِنْ إذَا تَكَرَّرَ الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ أَيْ السَّقْيُ إذْنٌ فَيُؤَدَّبُ الْفَاعِلُ بِالْحَبْسِ بِأَمْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute