حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَرِيكَهُ بِالِاسْتِقْرَاضِ صَرَاحَةً فَاسْتَقْرَضَ فَلَيْسَ لِلْمُقْرِضِ إلَّا الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَمُطَالَبَتُهُ بِالْقَرْضِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ غَيْرُ صَحِيحٍ مَا لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ لِلْمُقْرِضِ " إنَّ فُلَانًا يَطْلُبُ مِنْك كَذَا دِرْهَمًا قَرْضًا "، فَيُضِيفُ الِاسْتِقْرَاضَ لِمُوَكِّلِهِ فَفِي هَذَا الْحَالِ يَلْزَمُ الْقَرْضُ الْمُوَكِّلَ وَلَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ (الْبَحْرُ وَتَعْلِيقَاتُ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَيْهِ) وَيَتَفَرَّعُ عَلَى حَقِّ كُلِّ شَرِيكٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِالِاسْتِقْرَاضِ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ وَهِيَ:
لَوْ اشْتَغَلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي التِّجَارَةِ فِي بَلْدَةٍ وَاشْتَغَلَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى ثُمَّ عِنْدَ تَقْسِيمِهِمَا الْأَمْوَالَ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الَّذِي فِي يَدِهِ مَالٌ إنَّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ الْمِائَةِ الدِّينَارِ الَّتِي فِي يَدِي اسْتَقْرَضْتهَا مِنْ فُلَانٍ وَلِذَلِكَ فَإِنَّنِي أَفْرِزُ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْهَا لِأُؤَدِّيَهَا لَهُ. فَإِذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ فَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ وَلَهُ أَنْ يُفْرِزَ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ لِكَيْ يُؤَدِّيَهُ لِلْمُقْرِضِ لِأَنَّ الشَّرِيكَ أَمِينٌ حَسَبَ الْمَادَّةِ (١٣٥٠) وَهُوَ يَدَّعِي أَنَّ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا هِيَ حَقٌّ لِلْغَيْرِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ الْمِائَةِ دِينَارٍ الَّتِي فِي يَدِهِ هِيَ لَهُ فَيُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي دَيْنًا عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ (تَعْلِيقَاتُ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ) وَإِذَا قَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ كُنْت اسْتَدَنْت مِنْ فُلَانٍ كَذَا لِلشَّرِكَةِ وَدَفَعْت لَهُ دَيْنَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الِاسْتِقْرَاضِ: وَفِي اسْتِقْرَاضِ الشُّرَكَاءِ شَرِكَةَ عِنَانٍ لِلشَّرِكَةِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ، فَالِاسْتِقْرَاضُ جَائِزٌ حَسَبَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ تِجَارَةٌ وَمُبَادَلَةٌ مَعْنًى.
الْقَوْلُ الثَّانِي: عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِقْرَاضِ حَتَّى لَوْ أَذِنَ الشُّرَكَاءُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِالِاسْتِقْرَاضِ صَرَاحَةً لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالتَّكَدِّي، وَبَيَانُهُ أَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَكَانَ فِي مَعْنَى التَّكَدِّي أَيْ الشِّحَاذَةِ فَعَلَيْهِ إذَا اسْتَقْرَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مَالًا لِلشَّرِكَةِ وَتَلِفَ الْمُقْرَضُ فِي يَدِهِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ خَسَارَةً عَلَى الشَّرِيكَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ خَسَارَةً عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ خَاصَّةً، وَمَعَ أَنَّهُ قَدْ رَجَّحَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِالْقَوْلِ عَنْهُ (هُوَ صَحِيحٌ) إلَّا أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ اخْتَارَتْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَمَعَ أَنَّ لِلشَّرِيكَيْنِ حَقَّ الِاسْتِقْرَاضِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَبْلَغُ الْمُسْتَقْرَضُ غَيْرَ مَوْجُودٍ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُسْتَقْرِضِ وَكَانَ مُسْتَهْلَكًا فَإِقْرَارُ الشَّرِيكِ الْمُسْتَقْرِضِ بِقَوْلِهِ (قَدْ اسْتَقْرَضْت وَهُوَ دَيْنِي) لَا يَسْرِي عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَادَّةِ (١٣٨٤) وَيَجِبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُثْبِتَ الْمُقْرِضُ إقْرَاضَهُ أَوْ يُصَدِّقُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ وَيُقِرُّ بِالْإِقْرَاضِ حَتَّى يَصِحَّ الْقَرْضُ دَيْنًا حَسَبَ هَذِهِ الْفِقْرَةِ مِنْ الْمَجَلَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute