يَعْنِي أَنَّ الْوَكَالَةَ وَالرِّسَالَةَ لَيْسَ اثْنَتَاهُمَا شَيْئًا وَاحِدًا بَلْ يُوجَدُ بَيْنَهُمَا فُرُوقٌ عَلَى أَوْجُهٍ خَمْسَةٍ عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١٤٥٠) وَاحِدُ هَذِهِ الْفُرُوقِ هُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الرِّسَالَةِ أَنْ يُضِيفَ الرَّسُولُ الْعَقْدَ إلَى مُرْسِلِهِ؛ فَلِذَلِكَ إذَا أَضَافَ الرَّسُولُ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ لَا يَنْفُذُ الْعَقْدُ فِي حَقِّ مُرْسِلِهِ أَمَّا فِي الْوَكَالَةِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُضَافَ الْعَقْدُ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَهُ أَنْ يُضِيفَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ أَيْضًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) ، وَسَيُوَضَّحُ فِي الْمَادَّةِ (٠ ٤٦ ١) أَيْضًا مَثَلًا لَوْ أَرَادَ الصَّيْرَفِيُّ إقْرَاضَ أَحَدٍ دَرَاهِمَ وَأَرْسَلَ الْمُسْتَقْرِضُ خَادِمَهُ لِلصَّيْرَفِيِّ لِلْإِتْيَانِ بِهَا يَكُونُ الْخَادِمُ رَسُولَ ذَلِكَ الْمُسْتَقْرِضِ وَلَا يَكُونُ وَكِيلَهُ بِالِاسْتِقْرَاضِ، حَتَّى أَنَّهُ قَدْ جَازَتْ الرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِ الْوَكَالَةِ بِالِاسْتِقْرَاضِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٥٩ ٤ ١) وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: إنِّي قَدْ سَلَّمْتُ النُّقُودَ الْمَذْكُورَةَ لِذَلِكَ الرَّسُولِ وَقَالَ الرَّسُولُ أَيْضًا: قَدْ اسْتَلَمْتُهَا وَسَلَّمْتُهَا إلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَأَقَرَّ الْمُسْتَقْرِضُ بِأَخْذِ النُّقُودِ مِنْ الصَّيْرَفِيِّ لَزِمَ الْمُسْتَقْرِضَ الضَّمَانُ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْهُ إيَّاهَا، أَمَّا إذَا أَنْكَرَ الْمُسْتَقْرِضُ أَخْذَ الْخَادِمِ النُّقُودَ مِنْ الصَّيْرَفِيِّ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَقْرِضَ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ وَالرَّسُولِ هَذَا الْقَوْلَ؛ لِأَنَّ الصَّيْرَفِيَّ مُدَّعٍ وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْمُدَّعِي، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٢٦) وَلَمْ يَثْبُتُ شَيْءٌ أَيْضًا بِكَلَامِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّسُولِ إقْرَارٌ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٧٨) وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَقْرِضَ شَيْءٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَلْزَمُ الرَّسُولَ شَيْءٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ أَمِينٌ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمِينِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مَعَ الْيَمِينِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْغَيْرِ (وَالْغَيْرُ هُنَا هُوَ الْمُسْتَقْرِضُ) .
كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الرَّسُولُ - فِي صُورَةِ إرْسَالِ الْمَدِينِ دَيْنَهُ مَعَ رَسُولٍ إلَى الدَّائِنِ - إيصَالَهُ الدَّيْنَ، وَأَنْكَرَ الدَّائِنُ وُصُولَ الدَّيْنِ لَهُ فَإِنْ قُبِلَ قَوْلُ الرَّسُولِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ اسْتِيفَاءُ الدَّائِنِ حَقَّهُ (تَعْلِيقَاتُ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ، الْكَفَوِيُّ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١٧٧٤) . لَكِنْ ظَاهِرُ مِثَالِ الْمَجَلَّةِ هَذَا هُوَ أَنَّ الْقَرْضَ قَدْ عُقِدَ بَيْنَ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَالصَّيْرَفِيِّ قَبْلًا وَكَانَ الْخَادِمُ مَأْمُورًا بِقَبْضِ الْقَرْضِ وَإِيصَالِهِ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ.
وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْمِثَالِ لَيْسَ رِسَالَةً بِالِاسْتِقْرَاضِ بَلْ عِبَارَةٌ عَنْ وَكَالَةٍ بِقَبْضِ الْقَرْضِ لِلْمُسْتَقْرِضِ، فَلْنُصَوِّرْ لَكَ الِاسْتِقْرَاضَ بِالرِّسَالَةِ بِمِثَالٍ آخَرَ كَمَا يَأْتِي: لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِخَادِمِهِ: اذْهَبْ إلَى الصَّيْرَفِيِّ الْفُلَانِيِّ وَاسْتَقْرِضْ لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَدِمَ الْخَادِمُ عَلَى الصَّيْرَفِيِّ وَعَقَدَ الْقَرْضَ مَعَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مُوَكِّلِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ فُلَانًا يُرِيدُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَيَكُونُ فِي هَذَا رَسُولًا وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ. وَيَكُونُ الْقَرْضُ مِلْكًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ (الطَّحْطَاوِيُّ، الْفَيْضِيَّةُ) . كَذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي أَرْسَلَهُ أَحَدٌ إلَى السِّمْسَارِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ فَرَسًا إذَا قَالَ لَهُ: إنَّ فُلَانًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute