للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَائِعِ حَسَبَ الْمَادَّةِ (٢٩٣) .

أَمَّا إذَا أَعَارَ الْبَائِعُ أَوْ وَهَبَ الْمَبِيعَ لِشَخْصٍ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَتَلِفَ ذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُودِعِ أَوْ الْمُعَارِ أَوْ فِي يَدِ شَخْصٍ آخَرَ أَوْدَعَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمَبِيعَ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ وَيَضْمَنَ الْمَالَ الشَّخْصُ الْآخَرُ وَأَنْ يُفْسِخَ الْبَيْعَ وَيَسْتَرِدَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَائِعِ إذَا كَانَ قَدْ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ وَالْمَوْهُوبَ لَهُ وَالْمُسْتَوْدَعَ الَّذِي اسْتَعْمَلَ ذَلِكَ الْمَالَ إذَا ضَمِنُوا لَيْسَ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ٦٥٨) .

وَكَذَلِكَ الْبَائِعُ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ بَيْعًا ثَانِيًا إلَى آخَرَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُفْسِخَ الْبَيْعَ وَأَنْ يَضْمَنَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْمَبِيعَ، إذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الثَّمَنَ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .

وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَجِّرَ الْمَبِيعَ الْمَنْقُولَ قَبْلَ الْقَبْضِ لِبَائِعِهِ فَإِذَا أَجَّرَهُ وَاسْتَعْمَلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَبِيعَ بِمُقْتَضَى الْإِجَارَةِ فَلَا تَتَوَجَّهُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْبَائِعِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ - ٥٨،) اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ:

قَدْ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِعَدَمِ الْجَوَازِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا أَمْ مَنْقُولًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِجَوَازِهِ فِي الْعَقَارِ وَعَدَمِهِ فِي الْمَنْقُولِ وَذَهَبَ عُثْمَانُ التَّيْمِيُّ إلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَقَارًا أَمْ مَنْقُولًا (عَيْنِيٌّ شَرْحُ الْبُخَارِيِّ) .

وَقَدْ جَرَى التُّجَّارُ فِي زَمَانِنَا عَلَى بَيْعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِينَ وَقَدْ قَالَتْ الْمَجَلَّةُ أَيْضًا بِفَسَادِهِ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ إلَّا عَلَى رَأْيِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ وَالْفُقَهَاءُ لَا يَأْخُذُونَ بِرَأْيِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاحِبَ مَذْهَبٍ وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْإِيضَاحِ أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ أَكْثَرُ تَسَامُحًا فِي بَيْعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأُخْرَى (شَارِحٌ) .

أَمَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ مَنْقُولًا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ مُسْتَقِرًّا وَالْمَبِيعُ إذَا كَانَ مَنْقُولًا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَانَ فِيهِ غَرَرُ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ حَسَبَ الْمَادَّةِ (٢٩٣) فَإِذَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ أَصْبَحَ الْبَيْعُ الثَّانِي لَغْوًا وَلَا يَجُوزُ لِلْعُقَلَاءِ أَنْ يَفْعَلُوا مَا هُوَ لَغْوٌ (شَارِحٌ) وَعِلَاوَةٌ عَلَى ذَلِكَ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ الْمَنْقُولُ فِي يَدِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَقَدْ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْبَائِعُ الثَّانِي قَدْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّتَيْنِ ٢٦٧ و ٢٦٨،) .

وَيَرِدُ عَلَى هَذَا السُّؤَالُ وَهُوَ: إذَا كَانَ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ مَانِعًا لِجَوَازِ الْبَيْعِ لَزِمَ أَيْضًا عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يُضْبَطَ الْمَبِيعُ الْمَقْبُوضُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالْجَوَابُ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْغَرَرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَرَرٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا الْغَرَرَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ غَرَرُ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَصْبَحَ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ مِثْلَ الْقَبْضِ أَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ غَرَرُ الِاسْتِحْقَاقِ وَجَبَ سَدُّ بَابِ الْبَيْعِ (فَتْحُ الْقَدِيرِ) فَلِذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى هَذَا الضَّرَرِ.

وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ الْمَنْقُولَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَحِينَئِذٍ إذَا بَاعَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَالْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى ذَلِكَ هِيَ:

أَوَّلًا: إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي حِصَانَيْنِ وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا فَبَاعَ كُلًّا مِنْهُمَا بِأَلْفِ قِرْشٍ فَالْبَيْعُ فِي الْحِصَانِ الْمَقْبُوضِ جَائِزٌ وَفِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ غَيْرُ جَائِزٍ.

ثَانِيًا: إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَالَهُ مَعَ مَالٍ مَنْقُولٍ اشْتَرَاهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ.

ثَالِثًا: إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَالَهُ الْمَنْقُولَ مِنْ آخَرَ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ بَاعَهُ ثَانِيَةً مِنْ شَخْصٍ آخَرَ فَإِذَا أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ هَذَا الْبَيْعَ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَازَةَ عِبَارَةٌ عَنْ إجَازَةِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي لِمَبِيعٍ غَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>