بِرَدِّهَا مِنْ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلُ لَمَّا كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ الْخَالِصِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاءِ الْغَيْرِ كَالتَّوْكِيلِ بِتَقَاضِي الدُّيُونِ (الْبَحْرُ، تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . وَقَدْ فُوِّضَ قَبُولُ الْوَكَالَةِ وَعَدَمُ قَبُولِهَا عِنْدَ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِرَأْيِ الْقَاضِي، فَإِذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْخَصْمَ مُتَعَنِّتٌ فِي قَبُولِ التَّوْكِيلِ قَبِلَ الْوَكَالَةَ. أَمَّا إذَا عَلِمَ بِكَوْنِ الْمُوَكِّلِ يُرِيدُ بِتَوْكِيلِهِ آخَرَ بِالْخُصُومَةِ الْإِضْرَارَ بِخَصْمِهِ فَلَا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ الَّتِي بِلَا رِضَاءِ الْخَصْمِ.
وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاءُ الْآخَرِ أَنَّهَا قَبِلَتْ مَذْهَبَ الْإِمَامَيْنِ. وَقَدْ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بِذَلِكَ أَيْضًا كَمَا أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا اللَّيْثِ قَالَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى ذَلِكَ. وَتَكُونُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ عَلَى نَوْعَيْنِ:
١ - التَّسْجِيلُ: يَكُونُ بِتَسْجِيلِ الْوَكَالَةِ فِي الْمَحْكَمَةِ الَّتِي رُفِعَتْ إلَيْهَا الدَّعْوَى أَوْ بِتَسْجِيلِهَا فِي مَحْكَمَةٍ أُخْرَى وَتُبْرَزُ لِلْمَحْكَمَةِ الْحُجَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُحْتَوِيَةُ عَلَى صُورَةِ التَّسْجِيلِ وَالْمُصَدَّقَةُ مِنْ دَائِرَةِ الْفَتْوَى.
وَتُوَضَّحُ فِيمَا يَلِي صُورَةُ تَسْجِيلِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ. وَهِيَ: يَأْتِي الْمُوَكِّلُ مَعَ مَنْ يُنَصِّبُهُ وَكِيلًا إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَيَقُولُ: الْمُوَكِّلُ قَدْ وَكَّلْتُ هَذَا الشَّخْصَ لِلْمُرَافَعَةِ مَعَ فُلَانٍ فَإِذَا كَانَ الْخَصْمُ مَوْجُودًا فِي حُضُورِ الْقَاضِي أَيْضًا يَقْبَلُ الْقَاضِي الْوَكَالَةَ وَيُسَجِّلُهَا وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَ الْمُوَكَّلِ وَنَسَبَهُ. أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ غَائِبًا يَقْبَلُ الْقَاضِي الْوَكَالَةَ أَيْضًا إذَا عَلِمَ بِاسْمِ الْمُوَكَّلِ وَنَسَبِهِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ يَطْلُبُ مِنْ الْمُوَكَّلِ شَاهِدَيْنِ، فَإِذَا أَثْبَتَ بِهَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ قَبِلَ الْوَكَالَةَ. وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَحِلَ الْمُوَكَّلُ اسْمَ غَيْرِهِ وَنَسَبِهِ وَيَأْخُذَ مَالَ غَيْرِهِ ٢ - إثْبَاتُ الْوَكَالَةِ: يَدَّعِي الْوَكِيلُ فِي حُضُورِ الشَّخْصِ الَّذِي يُطْلَبُ مِنْهُ لِلْمُوَكِّلِ شَيْءٌ كَالْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ قَائِلًا: إنِّي وَكِيلٌ بِالِادِّعَاءِ وَطَلَبَ الْعَيْنَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْ فُلَانٍ كَالْوَدِيعَةِ أَوْ الْمَغْصُوبِ. وَلَهُ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ مُنْكِرًا لِلْوَكَالَةِ أَوْ مُقِرًّا بِهَا (الطَّحْطَاوِيُّ، الْأَنْقِرْوِيُّ) . فَعَلَيْهِ إذَا أَثْبَتَ الْوَكِيلُ فِي مُوَاجَهَةِ الْخَصْمِ الْمَدِينِ لِلْمُوَكِّلِ بِأَنَّ مُوَكِّلَهُ قَدْ وَكَّلَهُ فِي طَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَقَبْضِهِ وَفِي الْخُصُومَةِ فِيهِ وَحُكِمَ بِالْوَكَالَةِ فَلَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ طَلَبِ حَقِّ مُوَكِّلِهِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ ثَانِيَةً لِإِثْبَاتِ وَكَالَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute