كَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمَدِينُ إنَّنِي أَبْرَأْتُكَ مِنْ الْأَجَلِ، أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْأَجَلِ فَيَسْقُطُ الْأَجَلُ أَمَّا لَوْ قَالَ الْمَدِينُ: لَا حَاجَةَ لِي فِي الْأَجَلِ لَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ (الْبَزَّازِيَّةُ) .
وَلَكِنْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْحَقُّ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْإِسْقَاطِ فَلَا حُكْمَ لِلْإِبْرَاءِ مِنْهُ.
إنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ، وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فِي الْإِجَارَةِ، وَفِي حَقِّ الْوَقْفِ مِنْ الْحُقُوقِ الْغَيْرِ قَابِلَةِ الْإِسْقَاطِ فَلِذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ لِأَجْنَبِيٍّ مَالًا، وَقَالَ الْوَاهِبُ: قَدْ أَسْقَطْت حَقَّ رُجُوعِي عَنْ الْهِبَةِ فَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الرُّجُوعُ عَنْهَا.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ: قَدْ تَرَكْتُ حَقَّ مَنْفَعَتِي وَأَسْقَطْتُهَا فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ إجَارَتِهِ (الْأَشْبَاهُ) .
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْوَارِثُ: قَدْ تَرَكْت حَقَّ إرْثِي فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ (رِسَالَةُ الشُّرُنْبُلَالِيِّ) .
وَلَا يَسْقُطُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي الْوَقْفِ بِالْإِسْقَاطِ؛ مَثَلًا لَوْ أَسْقَطَ الْمَشْرُوطَةُ لَهُ غَلَّةُ وَقْفٍ حَقَّهُ فِي غَلَّةِ ذَلِكَ الْوَقْفِ فَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبُ غَلَّةِ الْوَقْفِ، وَتَوْلِيَةُ الْوَقْفِ وَالسُّكْنَى فِيهِ هُمَا كَالْغَلَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الشَّرْطُ الثَّانِي: حُصُولُ الْإِبْرَاءِ بِصُورَةٍ مَشْرُوعَةٍ.
فَعَلَيْهِ لَوْ أَبْرَأَهُ عَلَى طَرِيقِ الرِّشْوَةِ فَلَا يَصِحُّ (وَاقِعَاتُ الْمُفْتِينَ) .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَلَا يُقَيِّدَ الْإِبْرَاءَ بِلَفْظٍ مُفِيدٍ لِلشَّكِّ كَقَوْلِهِ عَلَى عِلْمِهِ.
فَلِذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُبْرِئُ: لَيْسَ لِي حَقٌّ قِبَلَ فُلَانٍ حَسَبَ عِلْمِي، أَوْ قَلْبِي، أَوْ رَأْيِي، أَوْ عَلَى مَا أَظُنُّ، أَوْ حَسَبَ حِسَابِي، أَوْ كِتَابِي فَلَا يُعَدُّ هَذَا اللَّفْظُ إبْرَاءً، وَلَا يَمْنَعُ اسْتِمَاعَ الدَّعْوَى، وَلَوْ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِي عَلَى فُلَانٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ (رِسَالَةُ الشُّرُنْبُلَالِيِّ) .
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْإِبْرَاءُ غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِالشَّرْطِ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيُوَضَّحُ حَسَبَ مَا يَأْتِي.
صُوَرُ الْإِبْرَاءِ الْعَدِيدَةُ: أَوَّلًا: يَكُونُ الْإِبْرَاءُ مُنَجَّزًا، وَقَدْ ذُكِرَ آنِفًا.
ثَانِيًا: يَكُونُ مُقَيَّدًا بِالشَّرْطِ، وَيُقَالُ لَهُ: إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ، وَالْإِبْرَاءُ يَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِالشَّرْطِ وَهَذَا يَكُونُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: لَوْ قَالَ الدَّائِنُ لِمَدِينِهِ: أَعْطِنِي غَدًا نِصْفَ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ الْمَطْلُوبَةِ مِنْك عَلَى أَنْ