وَعَلَيْهِ فَالْإِقْرَارُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَوْتِ صَحِيحٌ.
فَلَوْ قَالَ أَحَدٌ: إذَا مِتّ فَإِنَّنِي مَدِينٌ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ إقْرَارُهُ صَحِيحًا وَيَلْزَمُهُ الدَّيْنُ فِي الْحَالِ.
لِأَنَّ الْمَوْتَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ وَلَيْسَ فِيهِ خَطَرٌ.
فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَعْلِيقًا فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ هُوَ إشْهَادٌ عَلَى الدَّيْنِ مَنْعًا لِإِنْكَارِ الْوَرَثَةِ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ مَا هُوَ إلَّا تَأْكِيدٌ لِلْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ صِيَانَةُ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ مِنْ الْإِلْغَاءِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَيَكُونُ هَذَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَمْلِ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَعْنَى الْإِشْهَادِ.
لَكِنْ لَوْ رَضِيَ الْمُقِرُّ بِإِلْغَاءِ كَلَامِهِ قَائِلًا: بِأَنَّنِي قَصَدْتُ التَّعْلِيقَ فَلَا يُنْظَرُ إلَى رِضَائِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالزَّيْلَعِيّ وَالْبَحْرُ) .
الْخُلَاصَةُ: أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِقْرَارِ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَصِلَ الْمُقِرُّ إقْرَارَهُ بِعِبَارَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهَذَا الْإِقْرَارُ بَاطِلٌ كَمَا سَيُوَضَّحُ فِيمَا يَأْتِي: الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَصِلَ الْمُقِرُّ إقْرَارَهُ بِكَلَامٍ مُسْتَلْزِمٍ تَعْلِيقًا مُخْطَرًا كَقَوْلِهِ: إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَهَذَا الْقَوْلُ تَعْلِيقٌ، وَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: التَّعْلِيقُ عَلَى شَرْطٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ، فَالْإِقْرَارُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحٌ كَقَوْلِهِ: إذَا مِتُّ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
إيضَاحُ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ: وَلَكِنْ إذَا عُلِّقَ بِزَمَانٍ صَالِحٍ لِحُلُولِ الْأَجَلِ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَيْ أَنْ يُعَلَّقَ الْمُقَرُّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ يَتَضَمَّنُ الْأَجَلَ يُحْمَلُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَإِذَا صَدَّقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْأَجَلَ، أَوْ أَثْبَتَ الْمُقِرُّ الْأَجَلَ فَبِهَا.
وَإِلَّا يَحْلِفْ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى عَدَمِ الْأَجَلِ فَإِذَا نَكَلَ يَثْبُتُ الْأَجَلُ، وَإِذَا حَلَفَ يَكُونُ الْمُقِرُّ مَجْبُورًا عَلَى دَفْعِ الْمَبْلَغِ الْمُقَرِّ بِهِ مُعَجَّلًا.
أَمْثِلَةٌ لِلْقَاعِدَةِ الْأُولَى: مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: إذَا وَصَلْتُ الْمَحَلَّ الْفُلَانِيَّ، أَوْ أَخَذْتُ عَلَى عَاتِقِي الْمَصْلَحَةَ الْفُلَانِيَّةَ أَوْ إذَا هَبَّ الرِّيحُ، أَوْ إذَا أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ، أَوْ إذَا دَخَلْتَ دَارِي، أَوْ إذَا أَرَادَ اللَّهُ، أَوْ إذَا حَكَمَ اللَّهُ، أَوْ إذَا رَضِيَ اللَّهُ، أَوْ إذَا قَدَّرَ اللَّهُ، أَوْ إذَا دَبَّرَ اللَّهُ، أَوْ إذَا أَقْرَضْتَنِي كَذَا دِرْهَمًا، أَوْ إذَا حَلَفْتَ يَمِينًا بِأَنَّنِي مَدِينٌ لَكَ، أَوْ إذَا ادَّعَى أَحَدٌ مِنْ آخَرَ كَذَا دِرْهَمًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي: إذَا لَمْ أُؤَدِّ لَك الْمَبْلَغَ الْمُدَّعَى بِهِ فِي الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ، فَإِنَّنِي مَدِينٌ لَك بِكَذَا دِرْهَمًا فَيَكُونُ إقْرَارُهُ هَذَا فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ بَاطِلًا.
وَلَوْ وُجِدَ الشَّرْطُ بِأَنْ وَصَلَ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ، أَوْ أَخَذَ عَلَى عَاتِقِهِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ.
وَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ لِلْمُقَرِّ لَهُ (الْبَحْرُ) .
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ: مَهْمَا أَقَرَّ فُلَانٌ لِي بِشَيْءٍ فَإِنَّنِي مُقِرٌّ لَهُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ.
إنَّ بَعْضَ التَّعْلِيقَاتِ الْمُبْطِلَةِ لِلْإِقْرَارِ هِيَ: أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ لِآخَرَ: إذَا حَلَفْتَ الْيَمِينَ فَإِنَّ مَا ادَّعَيْتَهُ لَكَ، أَوْ إنَّنِي مَدِينٌ لِفُلَانٍ مَا لَمْ يَظْهَرْ لِي