قَبَضْتُ كَذَا دَنَانِيرَ وَأُسَلِّمَهُ لَكَ وَإِنَّكَ سَتُعْطِينِي بَعْدَ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ، وَإِنَّنِي حَسَبَ ذَلِكَ الِاتِّفَاقِ وَالْمُوَاضَعَةِ أَقْرَرْتُ فَإِذَا أَثْبَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ وَالْمُوَاضَعَةَ يُقْبَلُ إثْبَاتُهُ، وَيُحْكَمُ بِإِبْطَالِ إقْرَارِهِ (فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ وَالْبَهْجَةُ وَهَامِشُ الْبَهْجَةِ) .
تُسْرَدُ الْمُطَالَعَاتُ الْآتِيَةُ تَفَقُّهًا: يُمْكِنُ إثْبَاتُ كَوْنِ الْإِقْرَارِ وَقَعَ صَحِيحًا أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْإِقْرَارِ كَذِبٌ، وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَلْزَمُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ.
وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ بِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ الْوَاقِعِ.
بِأَنْ ادَّعَى أَنَّ السَّنَدَ الَّذِي حَرَّرَهُ بِكَوْنِهِ مَدِينًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُ لِلْمُدَّعِي إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الدَّنَانِيرَ مِنْهُ، وَكُلِّفَ الْمُدَّعِي بِحَلِفِ الْيَمِينِ فَقَالَ: بِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشُّهُودِ بِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَيَلْزَمُ اسْتِمَاعُ الشُّهُودِ، وَلَا يُقَالُ لِلْمُدَّعِي بِأَنَّكَ مُكَلَّفٌ بِحَلِفِ الْيَمِينِ عَلَى عَدَمِ الْكَذِبِ، وَإِذَا عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إثْبَاتِ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَطَلَبَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبْلَغَ نَقْدًا فَيُكَلَّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَلِفِ الْيَمِينِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصِرَّ عَلَى تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي عَلَى عَدَمِ الْكَذِبِ.
فَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ يَتَحَقَّقُ أَخْذُهُ نَقْدًا وَيَرْتَفِعُ ادِّعَاءُ الْكَذِبِ فِي الْإِقْرَارِ.
وَإِذَا حَلَفَ فَهَلْ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى عَدَمِ الْكَذِبِ، وَأَنْ يَأْخُذَ الْمُدَّعَى بِهِ؟ وَيَتَفَرَّعُ عَنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ: أَوَّلًا: لَوْ حَرَّرَ أَحَدٌ سَنَدًا قَائِلًا فِيهِ: إنَّنِي اسْتَقْرَضْتُ مِنْ فُلَانٍ كَذَا دَرَاهِمَ، أَوْ بِعْتُ مِنْهُ دَارِي الْفُلَانِيَّةَ وَأَعْطَاهُ سَنَدًا ثُمَّ ادَّعَى قَائِلًا: إنَّنِي، وَإِنْ كُنْتُ أَعْطَيْتُ سَنَدًا بَكَوْنِي اسْتَقْرَضْتُ كَذَا دِرْهَمًا مِنْهُ، أَوْ بِعْتُ دَارِيَ إلَّا أَنَّنِي لَمْ آخُذْ مِنْهُ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ لَمْ أَبِعْهُ دَارِيَ لِحَدِّ الْآنَ فَيَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ بِأَنَّ الْمُقِرَّ لَهُ غَيْرُ كَاذِبٍ فِي إقْرَارِهِ هَذَا: فَإِذَا حَلَفَ فَيَأْخُذُ الْمُقَرَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا يَأْخُذُهُ.
كَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ سَنَدًا عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ مَدِينٌ لِآخَرَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّ الدَّيْنَ الْحَقِيقِيَّ عِبَارَةٌ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا، وَأَنَّ مَا زَادَ هُوَ رِبًا وَأَثْبَتَ ذَلِكَ يُقْبَلُ.
فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ فَيَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ بِأَنَّ الْخَمْسَةَ دَنَانِيرَ لَمْ تَكُنْ رِبًا، وَأَنَّ كُلَّ الْعِشْرِينَ دِينَارًا هُوَ دَيْنٌ شَرْعِيٌّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
ثَانِيًا: لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ بِأَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا فِي إقْرَارِهِ فِي قَبْضِ وَدِيعَتِهِ مِنْ فُلَانٍ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ الْمُودِعُ عَلَى عَدَمِ الْكَذِبِ فِي الْإِقْرَارِ (الْخَيْرِيَّةُ) .
وَحَيْثُ إنَّ إبْرَاءَ الِاسْتِيفَاءِ نَوْعٌ مِنْ الْإِقْرَارِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (١٥٣٦) فَتَجْرِي فِيهِ دَعْوَى الْكَذِبِ.
مَثَلًا لَوْ أَقَرَّتْ الزَّوْجَةُ فِي مَجْلِسٍ شَرْعِيٍّ بِأَنَّهَا بَاعَتْ دَارَهَا لِزَوْجِهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَأَنَّهَا قَبَضَتْ الثَّمَنَ بِالتَّمَامِ وَاسْتَوْفَتْهُ مِنْهُ وَبَعْدَ إعْطَائِهِ حُجَّةً بِذَلِكَ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ بِأَنَّهَا لَمْ تَأْخُذْ ثَمَنَ الْمَبِيعِ، وَأَنَّهَا أَقَرَّتْ كَذِبًا فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ بِأَنَّ زَوْجَتَهُ غَيْرُ كَاذِبَةٍ فِي إقْرَارِهَا بِقَوْلِهَا: قَبَضْتُ الثَّمَنَ (فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ فِي الْإِقْرَارِ) .
ثَالِثًا: إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى مَالًا فِي حُضُورِ شُهُودٍ أَنَّهُ رَأَى الْمَالَ الْمَبِيعَ حِينَ الِاشْتِرَاءِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَطَلَبَ رَدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ يَحْلِفُ الْبَائِعُ أَيْ يَحْلِفُ عَلَى أَنَّ إقْرَارَ