قَدْ خُصِّصَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ حَيْثُ إنَّ فَائِدَةَ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ فِي حَالٍ لَا يَكُونُ فِيهِ وَارِثٌ آخَرُ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ الْوَاحِدَ مَا عَدَا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ، أَوْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ يُحْرِزُ جَمِيعَ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى فَلَا حَاجَةَ لِلْوَصِيَّةِ لَهُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
مَثَلًا إذَا تُوُفِّيَ أَحَدٌ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا وَلَدًا أَوْ بِنْتًا، أَوْ خَالَةً وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا آخَرَ فَحَيْثُ إنَّ ذَلِكَ الْوَارِثَ يُحْرِزُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ مِنْ جِهَةِ الْعُصُوبَة، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْفَرْضِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الرَّدِّ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِيَّةِ فَلَيْسَ مِنْ فَائِدَةٍ فِي الْإِقْرَارِ لَهُمْ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
أَمَّا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فَحَيْثُ إنَّهُمَا مِنْ الَّذِينَ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ فَلَا يُحْرِزُونَ جَمِيعَ أَمْوَالِ التَّرِكَةِ.
فَتَلْزَمُ الْوَصِيَّةِ لَهُمَا بِإِحْرَازِ جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَلِذَلِكَ إذَا نَفَى الرَّجُلُ، أَوْ الْمَرْأَةُ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمِلْكَ عَنْ جَمِيعِ أَمْوَالِهِ، وَأَقَرَّ بِهَا لِآخَرَ، أَوْ أَقَرَّ بِهَا بِغَيْرِ وَجْهِ الِاسْمِ الْمُسْتَعَارِ وَنَفْيِ الْمِلْكِ الْوَارِدِ ذِكْرُهُمَا فِي الْمَادَّتَيْنِ (١٥٩٢ وَ ١٥٩٣) فَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِتَرِكَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
حَيْثُ إنَّ وَضْعَ تَرِكَةِ مَنْ يُتَوَفَّى بِغَيْرِ وَارِثٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَيْسَ بِحَقِّ إرْثٍ بَلْ لِكَوْنِهِ مَالًا بِلَا صَاحِبٍ فَلِذَلِكَ لَيْسَ لِبَيْتِ الْمَالِ أَنْ يُعَارِضَ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ وَالْمُحَابَاةِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) أَيْ لَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ إقْرَارَ الْمُتَوَفَّى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِحُصُولِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَلِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَضْبِطَ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ وَالْأَشْيَاءِ، أَوْ أَنْ يَضْبِطَ الْمِقْدَارَ الْمُقَرَّ لَهُ بِهِ.
أَوْصَى زَيْدٌ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَمَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ عَنْ زَوْجَةٍ لَا غَيْرُ، وَلَمْ تُجِزْ الزَّوْجَةُ الْوَصِيَّةَ فَالْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ غَيْرُ جَائِزَةٍ إذَا كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْمَالِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَحَيْثُ لَمْ تُجِزْ الزَّوْجَةُ الْوَصِيَّةَ تَرِثُ سُدُسَ التَّرِكَةِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْئًا حَتَّى يَخْرُجَ ثُلُثُ الْوَصِيَّةِ فَإِذَا خَرَجَ الثُّلُثُ اسْتَحَقَّتْ رُبْعَ الْبَاقِي، وَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ.
وَأَصْلُهُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ أَرْبَعَةٌ، وَهُوَ الثُّلُثُ بَقِيَ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ لِلزَّوْجَةِ رُبْعُهَا اثْنَانِ.
بَقِيَ سِتَّةٌ تَعُودُ لِلْمُوصَى لَهُ فَتَكُونُ عَشَرَةً مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا (التَّنْقِيحُ) .
كَذَلِكَ لَوْ نَفَى مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَى زَوْجَتِهِ، أَوْ نَفَتْ مَنْ لَا وَارِثَ لَهَا سِوَى زَوْجِهَا الْمِلْكَ عَنْ جَمِيعِ أَمْوَالِهِمَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَأَقَرَّ بِهَا لَهَا، أَوْ وَأَقَرَّ بِهَا بِأَنَّ اسْمَهُ مُسْتَعَارُ، وَأَقَرَّ بِهَا بِوَجْهٍ آخَرَ بِغَيْرِ نَفْيِ الْمِلْكِ وَالِاسْمِ الْمُسْتَعَارِ، أَوْ أَقَرَّتْ هِيَ كَذَلِكَ فَإِقْرَارُهُمَا الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَعْتَرِضَ لِتَرِكَةِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْوَفَاةِ.
يَعْنِي لَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُقَرِّ لَهَا الزَّوْجَةِ: إنَّنِي أَضْبِطُ تَرِكَتَهُ مَا عَدَا حِصَّتَكَ الْإِرْثِيَّةَ (الرُّبْعَ) كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الزَّوْجِ: إنَّنِي أَضْبِطُ تَرِكَتَهَا مَا عَدَا حِصَّتَكَ (النِّصْفَ) ؛ لِأَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ لَيْسَ لِكَوْنِ الْوَارِثِ غَيْرَ مَحَلٍّ لِلْإِقْرَارِ بَلْ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ الْآخَرِينَ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَيْثُ لَا يُوجَدُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ صَحِيحًا.
إنَّ بَيْنَ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَتَفْرِيعَاتِهَا لَفًّا وَنَشْرًا مُرَتَّبًا.