وَالْمِلْكُ الْمُطْلَقُ قَدْ عُرِّفَ فِي الْمَادَّةِ (١٦٧٨) وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُ إذَا اُدُّعِيَ عَقَارٌ فِي بِلَادٍ قَدِيمَةِ الْبِنَاءِ يَجِبُ بَيَانُ سَبَبِ الْمِلْكِ وَأَثْبَتُوا بِالْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ ذَكَرَتْ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلِذَلِكَ يُفْهَمُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بَيَانُ سَبَبِ الْمِلْكِ فِي الْبِلَادِ الْقَدِيمَةِ الْبِنَاءِ (الْبَحْرُ) . أَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا فَيُسْأَلُ عَنْ سَبَبِ وَجِهَةِ ذَلِكَ الدَّيْنِ يَعْنِي يُسْأَلُ هَلْ هُوَ ثَمَنُ مَبِيعٍ أَوْ أُجْرَةٌ أَوْ دَيْنٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَأَنْ يَكُونَ قَرْضًا أَوْ نَاشِئًا عَنْ غَصْبٍ أَوْ اسْتِهْلَاكَ وَدِيعَةٍ، وَالْحَاصِلُ يُسْأَلُ الْمُدَّعِي مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ دَيْنًا؛ لِأَنَّهُ: (أَوَّلًا) تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ الدَّيْنِ بِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ إذْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِنْ جِهَةِ السَّلَمِ فَيَلْزَمُ إيفَاؤُهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي شُرِطَ تَسْلِيمُهُ فِيهِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٣٣٦) . وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ قَرْضًا أَوْ نَاشِئًا عَنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ فِي مَكَانِ الْقَرْضِ أَوْ الْمَبِيعِ وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ نَاشِئًا عَنْ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ فَيَقْتَضِي إيفَاءَ بَدَلِهِ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ (الْبَحْرُ وَالدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَالْأَنْقِرْوِيُّ) .
وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ نَاشِئًا عَنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ غَائِبٍ فَيَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ أَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ سُلِّمَ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ بِأَنَّهُ سَلَّمَ وَقَبَضَ فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى (النَّتِيجَةُ) . اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٢٦٢) .
كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ فَيَلْزَمُ إحْضَارُهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ. أَمَّا إذَا كَانَ مَقْبُوضًا فَلَا يَلْزَمُ إحْضَارُهُ إلَى الْمَجْلِسِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (١٦٢٥) .
ثَانِيًا: بِمَا أَنَّ أَسْبَابَ بَعْضِ الدُّيُونِ أَسْبَابٌ بَاطِلَةٌ وَغَيْرُ مُوجِبَةٍ ثُبُوتَ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ فَلِأَجْلِ أَنْ يَتَّضِحَ لِلْقَاضِي صِحَّةُ سَبَبِ الدَّيْنِ مِنْ عَدَمِهِ فَوَجَبَ بَيَانُ وَسُؤَالُ السَّبَبِ. كَالْحِسَابِ وَدَيْنِ النَّفَقَةِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُتَوَفَّى وَالْكَفَالَةُ بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ وَالْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَالْكَفَالَةُ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ (الْبَحْرُ) حَيْثُ إنَّ الْحِسَابَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلدَّيْنِ، فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ: الدَّعْوَى لِي فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْحِسَابِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَذَا دِرْهَمًا، فَلَا يَصِحُّ.
كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَتْ زَوْجَةُ الْمُتَوَفَّى مِنْ وَرَثَتِهِ دَيْنًا بِلَا بَيَانِ السَّبَبِ فَدَعْوَاهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ. لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الدَّيْنُ دَيْنَ نَفَقَةٍ وَدَيْنُ النَّفَقَةِ يَسْقُطُ بِوَفَاةِ الزَّوْجِ. وَإِيضَاحُ الْآخَرِينَ قَدْ مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٠ ١٦٢) .
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ: يُفْهَمُ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ أَعْلَاهُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ سَبَبَ الدَّيْنِ وَجِهَتَهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِذَلِكَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْحَمَوِيُّ) .
أَمَّا عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَدَعْوَى الدَّيْنِ بِلَا بَيَانِ السَّبَبِ صَحِيحَةٌ وَأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعِيَ عَنْ سَبَبِ الدَّيْنِ إلَّا أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْبَيَانِ لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَسْتَحِي بَعْضًا مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ كَمَا أَنَّهُ يَكُونُ بَيَانُ السَّبَبِ مُوجِبًا لِمَشَقَّةِ الْمُدَّعِي بَعْضًا وَقَدْ ذَكَرَتْ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ هَذَا الْوَجْهَ (الْبَحْرُ) . وَيُسْتَفَادُ مِنْ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمَجَلَّةِ بِأَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ الْقَوْلَ الثَّانِي كَمَا أَنَّهُ قَدْ قُبِلَ فِي تَعْلِيمِ أُصُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute