الدَّفْعُ شَرْعًا، هُوَ الْإِتْيَانُ بِدَعْوَى (قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ) مِنْ قِبَلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَدْفَعُ أَيْ تَرُدُّ وَتُزِيلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي. وَلِإِزَالَةِ الدَّوْرِ الْبَاطِلِ مِنْ التَّعْرِيفِ لَزِمَ أَنْ يَقْصِدَ مَعْنَى الرَّدِّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فِي الْعُرْفِ وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِي التَّعْرِيفِ، فَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ الْمُنَاسِبِ فِي بَدَلِ الدَّفْعِ الثَّانِي اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الرَّدِّ. فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا بَيَّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ بِأَنَّهُ سَيَدْفَعُ الدَّعْوَى فَيَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا هُوَ دَفْعُهُ؟ فَإِذَا كَانَ الدَّفْعُ الَّذِي بَيَّنَهُ صَحِيحًا يُمْهِلُهُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي وَلَا يُعَجِّلُ بِالْحُكْمِ وَإِذَا كَانَ فَاسِدًا فَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ (الْهِنْدِيَّةُ) . قِيلَ مِنْ قِبَلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. يُشَارُ بِهَذَا الْقَوْلِ إلَى أَنَّ الدَّفْعَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ طَرَفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فَالدَّفْعُ الَّذِي يُقَامُ مِنْ طَرَفٍ آخَرَ لَا يُقْبَلُ وَلَا يُسْمَعُ (الْبَحْرُ) . مَثَلًا لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَثْبَتَهَا ثُمَّ جَاءَ جَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَبُوهُ وَادَّعَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ أَدَّى ذَلِكَ الْمَبْلَغَ أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ أَبْرَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ فَلَا تُسْمَعُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ضَابِطِ وُجُوبِ حُصُولِ دَفْعِ الدَّعْوَى مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَسْأَلَتَانِ وَهُمَا:
١ - إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدَ الْوَرَثَةِ فَلِلْوَرَثَةِ الْآخَرِينَ دَفْعُ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ حَسَبَ الْمَادَّةِ (١٦٤٢) يَقُومُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَنْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ فَلِذَلِكَ إذَا كَانَ الطَّالِبُ قَدْ ادَّعَى مَالًا فِي حُضُورِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ وَجَاءَ وَارِثٌ آخَرُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ تُقْبَلُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٢١٦٤) . (الْبَحْرُ) . كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ بِأَنَّ الْعَقَارَ الْمَعْلُومَ الَّذِي تَحْتَ يَدِ آخَرَ مَوْرُوثٌ لَهُ مَعَ أَخِيهِ الْغَائِبِ وَدَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَاهُ بِقَوْلِهِ: إنَّ مُوَرِّثَك فُلَانًا قَدْ أَقَرَّ فِي حَيَاتِهِ بِأَنَّ هَذَا الْعَقَارَ مِلْكِي فَيُقْبَلُ هَذَا الدَّفْعُ وَتُرَدُّ دَعْوَى الْمُدَّعِي لَدَى إثْبَاتِهِ فَلَوْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَخُ الْغَائِبُ وَدَفَعَ دَفْعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَائِلًا: قَدْ أَقْرَرْت بَعْدَ وَفَاةِ مُوَرِّثِي بِأَنَّ هَذَا الْعَقَارَ مِنْ تَرِكَةِ مُوَرِّثِي فَيَكُونُ قَدْ دَفَعَ دَفْعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الْهِنْدِيَّةُ) . وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِقْرَارَاتِ هُوَ الْإِقْرَارُ الْأَخِيرُ (الْكَفَوِيُّ) . أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ تَارِيخَ الْإِقْرَارَاتِ فَتَتَهَاتَرُ الْإِقْرَارَاتُ وَيَبْقَى الْمَالُ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ (الْخَانِيَّةُ) اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٢٨٦١) . كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي فِي مُوَاجَهَةِ زَيْدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ بِأَنَّ لَهُ خَمْسِينَ دِينَارًا دَيْنًا مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى وَأَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَتَصَالَحَ زَيْدٌ مَعَ هَذَا الْمُدَّعِي عَلَى ثَلَاثِينَ دِينَارًا فَجَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بَكْرٌ مِنْ الْوَرَثَةِ وَدَفَعَ دَعْوَى الْمُدَّعِي قَائِلًا: إنَّ مُوَرِّثِي قَدْ أَوْفَاك هَذَا الْمَبْلَغَ بِالتَّمَامِ وَعَلَيْهِ فَدَعْوَاك بَاطِلَةٌ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ يُقْبَلُ أَمَّا إذَا دَفَعَ هَذَا الدَّفْعَ زَيْدٌ الَّذِي عَقَدَ الصُّلْحَ فَلَا يُقْبَلُ (الْهِنْدِيَّةُ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (١٥٦٥) . ٢ - إذَا ضُبِطَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الْمَالُ الْمُشْتَرَى بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ قَدْ بَاعَهُ ذَلِكَ الْمَالَ قَبْلَ بَيْعِهِ لِلْمُشْتَرِي تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ (جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ) .
٦ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute