لَيْسَ فِي التَّوَاتُرِ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ لِلْمُخْبِرِينَ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ - يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ وَلَمْ يُحَدِّدْ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدَدُ الْمُخْبِرِينَ كَذَا أَوْ أَزْيَدَ مِنْ كَذَا تَكُونُ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ تَوَاتُرٍ وَإِذَا كَانَتْ أَنْقَصَ مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ بَيِّنَةً عَادِيَةً؛ لِأَنَّهُ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُونَ ثِقَات وَعُدُولًا يَحْصُلُ عِلْمُ الْيَقِينِ بِإِخْبَارِ عَشَرَةِ رِجَالٍ (شَرْحُ الْمَنَارِ) .
أَمَّا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُونَ غَيْرَ عُدُولٍ فَيَجِبُ عَدَدٌ كَثِيرٌ لِحُصُولِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ لِلْمُخْبِرِينَ هُوَ أَرْبَعَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ سَبْعُونَ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ هِيَ بِلَا دَلِيلٍ فَلِذَلِكَ لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهَا الْمَجَلَّةُ (التَّلْوِيحُ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَرَمَضَان أَفَنْدِي فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ) وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا قَالَ الْقَاضِي حِينَ اسْتِمَاعِ عَشَرَةِ شُهُودٍ فِي مَقَامِ التَّوَاتُرِ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ عِلْمُ الْيَقِينِ يَصِحُّ حُكْمُهُ إلَّا أَنَّ دَائِرَةَ الْفَتْوَى لِلْمَشْيَخَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ قَدْ اتَّخَذَتْ قَرَارًا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إخْبَارُ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ رَجُلًا تَوَاتُرًا نَظَرًا لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَكَوْنِ قَوْلِ كُلِّ قَاضٍ لَا يُقْبَلُ.
إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّوَاتُرِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ.
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ جَمًّا غَفِيرًا لَا يُجَوِّزُ عَقْلُ الْقَاضِي اتِّفَاقَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ سَهْوًا أَوْ خَطَأً أَوْ عَمْدًا (شَرْحُ الْمَنَارِ) .
وَيَلْزَمُ دَوَامُ الْكَثْرَةِ فِي الشُّهُودِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ كَأَوَّلِهِ وَأَوَّلُهُ كَآخِرِهِ وَأَوْسَطُهُ كَطَرَفَيْهِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ جَمٌّ غَفِيرٌ غَيْرُ مَحْصُورٍ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَتَّفِقَ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ عَلَى الْكَذِبِ فَلَا يَكُونُ إخْبَارُهُمْ تَوَاتُرًا (التَّلْوِيحُ) .
وَيُدْعَى إخْبَارُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ أَحْيَانًا إخْبَارَ الْكُلِّ وَإِخْبَارَ الْعَامَّةِ وَإِخْبَارَ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَعَالِمٍ وَجَاهِلٍ وَأَحْيَانَا الْخَبَرَ الْمُسْتَفِيضَ وَالْأَمْرَ الْمَشْهُورَ وَالْأَمْرَ الْمَكْشُوفَ وَعَلَى ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُونَ جَمًّا غَفِيرًا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَلْدَةُ الْمُخْبِرِينَ مُخْتَلِفَةً وَمَحَلَّاتُهُمْ مُخْتَلِفَةً وَبُيُوتُهُمْ بَعِيدَةً عَنْ بَعْضِهِمْ الْبَعْضُ فَلِذَلِكَ يَجُوزُ تَوَاتُرُ أَهَالِي مَدِينَةٍ أَوْ أَهَالِي قَرْيَةٍ (الْبَهْجَةُ) .
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُخْبَرُ بِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْحِسِّ سَوَاءٌ حِسُّ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ (كَشْفُ الْأَسْرَارِ) .
فَلِذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ جَمٌّ غَفِيرٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ عَقْلِيَّةٍ كَمَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ الْعِلْمَ إذْ أَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاسْتِدْلَالِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (١٦٩٨) .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُخْبَرُ بِهِ مُمْكِنًا فَلِذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ الْمُخْبِرُونَ بِأَمْرٍ مُسْتَحِيلٍ عَقْلًا فَلَا يَحْصُلُ عِلْمُ الْيَقِينِ مُطْلَقًا (التَّلْوِيحُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute