للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ فِي حَقِّ تَوْجِيهِ الْيَمِينِ عَلَى السَّبَبِ أَوْ عَلَى الْحَاصِلِ فَعَلَى قَوْلٍ يَجِبُ تَحْلِيفُ الْيَمِينِ عَلَى الْحَاصِلِ، وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ يَجِبُ تَحْلِيفُ الْيَمِينِ عَلَى السَّبَبِ وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ لِرَأْيِ الْقَاضِي أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الرَّابِعِ فَيَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ مُنْكِرًا الْحَاصِلَ فَيُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ، وَإِذَا كَانَ مُنْكِرًا السَّبَبَ فَيُحَلِّفُهُ عَلَى السَّبَبِ وَقَدْ رَجَّحَ هَذَا الرَّأْيَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ كَقَاضِي خَانْ وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كُلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَلِفِ الْيَمِينِ خِلَافًا لِإِنْكَارِهِ يَتَضَرَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ إنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي قَائِلًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ أَقْرَضْتُك كَذَا دِرْهَمًا فَأَدِّ لِي ذَلِكَ بِبَيَانِهِ السَّبَبَ وَالْجِهَةَ، وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَاصِلَ بِقَوْلِهِ لَمْ أَكُنْ مَدِينًا لَك وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إثْبَاتِ الْإِقْرَاضِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَدِينًا لَهُ بِكَذَا دِرْهَمًا أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ اقْتَرَضَ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ أَوْفَاهُ لِلْمُدَّعِي أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُدَّعِي مِنْ الدَّيْنِ، وَلَمْ يَبْقَ مَدِينًا لَهُ.

فَإِذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّنِي اقْتَرَضْت ثُمَّ أَوْفَيْت فَلَا يَسْتَطِيعُ الْإِثْبَاتَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ شُهُودٌ وَأَسْبَابُ ثُبُوتٍ ثُمَّ إنَّ خَصْمَهُ يَحْلِفُ الْيَمِينَ فَيُحْكَمُ بِالدَّيْنِ كَمَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ الْيَمِينَ عَلَى عَدَمِ الِاقْتِرَاضِ يَكُونُ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ فَلِذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي عَلَى آخَرَ قَائِلًا: قَدْ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْمَالَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَاصِلَ بِقَوْلِهِ: إنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ لَك فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى الْحَاصِلِ، وَلَا يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ أَيْ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى السَّبَبِ يُصِيبُهُ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَاعَ ثُمَّ أُقِيلَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا.

فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحَلِفُ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْت ثُمَّ أَقَلْنَا الْبَيْعَ يَكُونُ عَلَيْهِ إثْبَاتُ الْإِقَالَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ إثْبَاتٌ وَحَلَفَ خَصْمُهُ الْيَمِينَ يَضِيعُ حَقُّهُ حَتَّى أَنَّهُ لِلْخَصْمِ فِي هَذِهِ الْحَالِ إذَا كَلَّفَهُ الْقَاضِي حَلَفَ الْيَمِينَ عَلَى السَّبَبِ أَنْ يَعْرِضَ لِلْقَاضِي قَائِلًا لَهُ: تُحَمِّلُنِي حَلِفَ الْيَمِينِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إنَّ الرَّجُلَ يَبِيعُ مَالًا ثُمَّ يَقْبَلُ الْبَيْعَ فِيهِ. كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَحَدٌ طَرِيقًا مِنْ عَرْصَةِ آخَرَ مُبَيِّنًا طُولَهَا وَعَرْضَهَا وَمَوْضِعَهَا فَإِذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي (وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا الْحَقَّ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُدَّعِي غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعَرْصَةِ الَّتِي تَحْتَ يَدِي) . كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَحَدٌ بِأَنَّ لَهُ حَقَّ مَسِيلٍ فِي عَرْصَةِ آخَرَ أَوْ حَقَّ مُرُورِ مَاءِ الْأَمْطَارِ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ (وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ إنَّ الْحَقَّ الَّذِي يَدَّعِيهِ هَذَا الْمُدَّعِي غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعَرْصَةِ الَّتِي تَحْتَ يَدِي) . وَفِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَانَ الِادِّعَاءُ بِالْحَاصِلِ كَمَا أَنَّ الْإِنْكَارَ وَاقِعٌ عَلَى الْحَاصِلِ فَيَحْلِفُ الْيَمِينَ عَلَى الْحَاصِلِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي آدَابِ الْقَاضِي) . كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: إنَّك كَفِيلٌ عَلَى الْمَبْلَغِ الْمَطْلُوبِ لِي مِنْ ذِمَّةِ فُلَانٍ فَأَدِّ لِي ذَلِكَ الْمَبْلَغَ حَسَبَ الْكَفَالَةِ فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّنِي لَمْ أَكُنْ مَدِينًا لَهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْحَاصِلِ أَيْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَدِينًا لِلْمُدَّعِي بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ مِنْ الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ الْكَفَالَةِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا كُلِّفَ بِحَلِفِ الْيَمِينِ عَلَى عَدَمِ الْكَفَالَةِ فَلَهُ الْحَقُّ بِالتَّعْرِيضِ لِلْقَاضِي بِأَنْ يَقُولَ: إنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ كَفِيلًا عَلَى مَالٍ ثُمَّ يُؤَدِّي الْمَكْفُولَ بِهِ أَوْ إنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ يُبْرِئُ الْكَفِيلَ. (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الدَّعْوَى) .

<<  <  ج: ص:  >  >>