وَقَدْ أُمِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَضَاءِ كَمَا أُمِرَ النَّبِيُّ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى - {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: ٢٦] (الْفَتْحُ) . السُّنَّةُ: قَدْ نَصَّبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا وَمُعَاذًا قَاضِيَيْنِ لِلْيَمَنِ (الْفَتْحُ) . مَحَاسِنُ الْقَضَاءِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ قَضَاءٌ لَمَا أَمْكَنَ الِاسْتِحْصَالُ عَلَى الْحُقُوقِ وَلَبَقِيَ حَقُّ صَاحِبِ الْحَقِّ فِي يَدِ وَذِمَّةِ الْمُبْطِلِ فَالْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ الشَّارِعِ فِي أَخْذِ حَقِّ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ وَفِي إيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. إنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَقِّ هُوَ أَقْوَى الْفَرَائِضِ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: ٤٢] أَيْ بِالْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: ٤٢] أَيْ يَحْفَظُهُمْ وَيُعَظِّمُ شَأْنَهُمْ، وَهَلْ أَشْرَفُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَحَبَّتِهِ - تَعَالَى - (مُعِينُ الْحُكَّامِ) .
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَدِيثُ «إنَّ عَدْلَ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً» الْوَلْوَالِجِيَّةِ. كَمَا أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «أَنَّ الْقُضَاةَ يُحْشَرُونَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ» (فَتْحُ الْقَدِيرِ) . وَلِذَلِكَ قَدْ كَانَ الْقَضَاءُ وَالْوِلَايَةُ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِي زَمَنِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ يُتَحَمَّلُ أَعْبَاؤُهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْعِبَادَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِي الْقَضَاءِ خَطَرًا عَظِيمًا فَلَمْ يَقْبَلْهُ بَعْضُ الْمُتَّقِينَ الْأَخْيَارِ وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ. إجْمَاعُ الْأُمَّةِ: وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقَضَاءِ (الْفَتْحُ) . حِكْمَةُ الْقَضَاءِ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ التَّهَارُجِ وَرَدِّ النَّوَائِبِ وَقَطْعِ الْخُصُومَاتِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (مُعِينُ الْحُكَّامِ) .
صِفَةُ قَبُولِ الْقَضَاءِ وَقَبُولُ الْقَضَاءِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:
١ - وَاجِبٌ، إذَا عُيِّنَ أَحَدٌ لِلْقَضَاءِ وَلَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ أَهْلًا لَهُ فَقَبُولُ الْقَضَاءِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْقَضَاءَ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ كَمَا أَنَّهُ بِعَدَمِ قَبُولِهِ الْقَضَاءَ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ غَيْرُهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ ضَرَرٌ كَبِيرٌ وَفَسَادٌ عَظِيمٌ وَدَفْعُ ذَلِكَ فَرْضٌ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَقَبُولُ الْقَضَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِنْصَافًا لِلْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَالِك) وَفِي هَذَا الْحَالِ يَكُونُ قَبُولُ الْقَضَاءِ، وَاجِبًا عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ يَحِقُّ لِلْحُكُومَةِ إجْبَارُهُ عَلَى الْقَبُولِ. ٢ - مُسْتَحَبٌّ: إذَا كَانَ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ مُتَعَدِّدِينَ وَكَانَ أَحَدُهُمْ أَصْلَحَ مِنْ غَيْرِهِ فِي أُمُورِ الْقَضَاءِ، وَفِي الْقِيَامِ بِالْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ الْقَضَائِيَّةِ فَيَجِبُ قَبُولُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute