قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خِيَارَ الْوَصْفِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَا يَثْبُتُ بِشَرْطٍ وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ لَا يَكُونُ فِيهِ غَرَرٌ أَيْ احْتِمَالُ الْعَدَمِ فَاشْتِرَاطُهُ صَحِيحٌ وَإِذَا ظَهَرَ الْمَبِيعُ خَالِيًا عَنْهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَتَرْكُ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَبِلَ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ. وَلَهُ قَبُولُ الْمَبِيعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ قَدْ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ تَبَعًا وَبِمَا أَنَّ التَّابِعَ لَا يَعُودُ بِالْحُكْمِ حَسَبَ الْمَادَّةِ (٤٨) فَلَا يَكُونُ لِلْوَصْفِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ حَسَبَ الْمَادَّةِ (٢٣٤) . أَمَّا الْوَصْفُ الَّذِي فِيهِ غَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فَبَيْعُ الْبَقَرَةِ عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلُبُ مِقْدَارَ كَذَا مِنْ اللَّبَنِ فِي الْيَوْمِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَمِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ١٨٩) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَا فِي بَطْنِ الْبَقَرَةِ وَضَرْعِهَا أَحَمْلٌ أَوْ انْتِفَاخٌ أَوْ لَبَنٌ وَهَذَا الْقِسْمُ يَعْنِي الْأَوَّلَ عَنْ نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يُشْتَرَطُ اتِّصَافُهُ بِوَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ تَصْرِيحًا كَمَا تَقَدَّمَ كَمَا إذَا بِيعَتْ بَقَرَةٌ عَلَى أَنَّهَا حَلُوبٌ أَيْ مُتَّصِفَةٌ بِالْحَلْبِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَظَهَرَ أَنَّ الْبَقَرَةَ غَيْرُ حَلُوبٍ وَأَنَّ الْوَصْفَ الْمَرْغُوبَ فِيهِ لَيْسَ فِيهَا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَإِمَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَتْرُكَ الْبَقَرَةَ لِلْبَائِعِ وَإِمَّا أَنْ يَقْبَلَهَا بِخَمْسِمِائَةِ الْقِرْشِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ بِسَبَبِ فِقْدَانِ الْحَلْبِ وَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي خُلُوَّ الْمَبِيعِ مِنْ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ حَاصِلٌ فِي وَصْفٍ عَارِضٍ وَالرَّاجِحُ فِيهِ الْعَدَمُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ)
وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ حِصَانٌ عَلَى أَنَّهُ هِمْلَاجٌ (رَهْوَانَ) أَوْ كَلْبٌ عَلَى أَنَّهُ مُعَلَّمٌ (كَلْبُ صَيْدٍ) وَفَرْوُ سَمُّورٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الظَّهْرِ أَوْ الْبَعِيرُ عَلَى أَنَّهُ نَاقَةٌ أَوْ الْبَغْلُ عَلَى أَنَّهُ بَغْلَةٌ أَوْ اللَّحْمُ عَلَى أَنَّهُ لَحْمُ مَعْزٍ فَظَهَرَ أَنَّ الْحِصَانَ لَيْسَ بِهِمْلَاجٍ (رَهْوَانَ) وَالْكَلْبَ لَيْسَ مُعَلَّمًا (كَلْبَ صَيْدٍ) وَالْفَرْوَ لَيْسَ مِنْ الظَّهْرِ بَلْ مِنْ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْبَغْلَ لَيْسَ بَغْلَةً وَالْبَعِيرَ جَمَلٌ لَا نَاقَةٌ وَاللَّحْمَ لَحْمُ ضَأْنٍ لَا مَعْزٍ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ (تَنْقِيحٌ. بَحْرٌ) . وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ بُسْتَانٌ عَلَى أَنَّ فِيهِ كَذَا شَجَرَةً أَوْ دَارٌ عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا غَرْفَةً أَوْ عَرْصَةٌ عَلَى أَنَّ مِسَاحَتَهَا كَذَا ذِرَاعًا فَظَهَرَ أَنَّ الْبُسْتَانَ لَا يَحْتَوِي عَلَى الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الشَّجَرِ وَالدَّارَ لَا تَحْتَوِي عَلَى الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الْغُرَفِ وَالْعَرْصَةَ لَا تَحْتَوِي عَلَى الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الْأَذْرُعِ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ عَلَى مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَبِيعَ كَمَا لَوْ بِيعَتْ عَرْصَةٌ بِمَا فِيهَا مِنْ الْأَشْجَارِ أَوْ عَلَى أَنَّ فِيهَا أَشْجَارًا فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا أَشْجَارٌ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ (هِنْدِيَّةٌ) .
(تَوْضِيحُ الْقُيُودِ) (الْوَصْفُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ) أَمَّا مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وَصْفٌ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ فَيَظْهَرُ خُلُوُّهُ مِنْهُ فَلَا يُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا إذَا بِيعَ حِصَانٌ عَلَى أَنَّهُ أَعْوَرُ أَوْ عَيْنَهُ رَمْدَاءُ أَوْ أَنَّ فِيهِ لَهَثًا فَظَهَرَ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ مَالٌ عَلَى أَنَّ فِيهِ عَيْبًا فَظَهَرَتْ سَلَامَتُهُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا (فَرَائِدُ شَرْحِ الْمُلْتَقَى) .
وَيُفْهَمُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الَّتِي مَرَّتْ آنِفًا أَنَّ شَرْطَ اتِّصَافِ الْمَبِيعِ يُوصَفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
(١) مَا يَكُونُ الْبَيْعُ مَعَهُ صَحِيحًا وَعَدَمُ الْوَصْفِ فِيهِ مُوجِبٌ لِلْخِيَارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute