جَائِزٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْمَذْكُورَ لَا يَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ فِي الْوَقْفِ أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَالْوَقْفُ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ فِي الْوَقْفِ وَبِمَا أَنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ قَدْ صُحِّحَ بِلَفْظِ الْفَتْوَى فَالْمُقَلِّدُ (الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ) مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ حَكَمَ بِبُطْلَانِهِ وَإِذَا حَكَمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُرَجِّحًا ذَلِكَ الْقَوْلَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ فِي حَادِثَةٍ أُخْرَى.
ثَانِيًا: إذَا لَمْ يُوجَدْ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِي مَسْأَلَةٍ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ. ثَالِثًا: إذَا لَمْ يُوجَدْ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةٍ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ. رَابِعًا: يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ زُفَرَ وَالْإِمَامِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَوْ الْمُفْتِي أَنْ يُخَالِفَ هَذَا التَّرْتِيبَ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ مَلَكَةٍ يُمْكِنُ بِهَا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى قُوَّةِ الدَّلِيلِ كَالْمَشَايِخِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَصْحَابِ التَّرْجِيحِ إذْ لَيْسَ عَلَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ لَهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى الدَّلِيلِ وَأَنْ يُرَجِّحُوا الْقَوْلَ الَّذِي يَرَوْنَهُ أَنَّهُ رَاجِحٌ حَسَبَ اجْتِهَادِهِمَا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَلِذَلِكَ فَإِنَّ أَصْحَابَ التَّرْجِيحِ قَدْ رَجَّحُوا حِينًا أَقْوَالَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ كَمَا أَنَّهُمْ قَدْ رَجَّحُوا قَوْلَ الْإِمَامِ زُفَرَ عَلَى الْأَقْوَالِ الْأُخْرَى فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فَوَجَبَ عَلَيْنَا مُتَابَعَةُ تَرْجِيحِ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ مِنْ الْأَقْوَالِ. فَالْقَاضِي يَحْكُمُ بِالْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِهِ وَلَا يَحْكُمُ بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَغَيْرِ الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّ جِهَةَ الصَّحِيحِ هِيَ الْحَقُّ وَطَرَفُ الضَّعِيفِ هُوَ خِلَافُ الْحَقِّ فَالْحُكْمُ بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ هُوَ حُكْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعٌ لِلَهْوِي وَهَذَا حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ (شَرْحُ رَسْمِ الْمُفْتِي وَالدُّرُّ الْمُخْتَارُ) . فَلِذَلِكَ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ لَا يَنْفُذُ وَيُنْقَضُ حُكْمُهُ. سُؤَالٌ: إنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ يَتَقَوَّى بِالْقَضَاءِ فَإِذًا كَيْفَ نَقَضَهُ؟ الْجَوَابُ: الْمَقْصُودُ بِالْقَضَاءِ هُوَ قَضَاءُ الْمُجْتَهِدِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) لَا سِيَّمَا أَنَّ سَلَاطِينَ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ يُنَصِّبُونَ الْقُضَاةَ وَالْمُفْتِينَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْكُمُوا بِالْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَلِذَلِكَ إذَا حَكَمُوا بِخِلَافِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُمْ. إنَّ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ هِيَ فِي صُورَةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ عَلَى مَذْهَبِهِ. أَمَّا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِأَحَدِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ مُخَالِفًا مَذْهَبَهُ.
مَثَلًا بِأَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِالْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ بِالْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ فَهَذَا الْحُكْمُ نَافِذٌ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ سَهْوًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ عَمْدًا، وَوَجْهُ النَّفَاذِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ لِأَنَّ رَأْيَهُ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ أَخْطَأَ فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَطَأً بِيَقِينٍ فَكَانَ حَاصِلُهُ قَضَاءً فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ حَتَّى لَوْ حَكَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute