الْوُكَلَاءِ يَسْأَلُ الْمُفْتِي عَنْ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ إلَّا أَنَّ الْمُفْتِيَ الْمُتَيَقِّظَ يَفْهَمُ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ أَنَّ قَصْدَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوُصُولُ إلَى غَرَضِهِ الْفَاسِدِ كَمَا شَاهَدْنَا كَثِيرًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَفْلَةَ الْمُفْتِي يَحْصُلُ مِنْهَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي أَوَائِل الْقَضَاءِ) .
رَابِعًا: يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُفْتِي أَصَمَّ فَإِذَا كَانَ مَنْصُوبًا مِنْ قِبَلِ الْحُكُومَةِ لِلْإِفْتَاءِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحَ السَّمْعِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِكُلِّ سَائِلٍ أَنْ يُحَرِّرَ سُؤَالَهُ عَلَى وَرَقَةٍ وَأَنْ يُقَدِّمَهَا لِلْمُفْتِي كَمَا أَنَّهُ يَحْضُرُ الطَّرَفَانِ الْمُتَخَاصِمَانِ فِي حُضُورِ الْمُفْتِي وَيَصْدُرُ كَلَامٌ مِنْ أَحَدِهِمَا يُؤَيِّدُ إبْطَالَهُ فَإِذَا كَانَ لَا يَسْمَعُ ذَلِكَ فَيُؤَدِّي فَتْوَاهُ عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعَهُ فَيَضِيعُ حَقُّ خَصْمِهِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُفْتِي غَيْرَ مَنْصُوبٍ لِلْفَتْوَى فَلَا ضَرُورَةَ لَأَنْ يَكُونَ صَحِيحَ السَّمْعِ لِأَنَّ فَتْوَاهُ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ بَيَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَتَكْفِي فِي ذَلِكَ الْإِشَارَةُ فَقَطْ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كُتِبَ لَهُ وَأَجَابَ عَنْهُ جَازَ الْعَمَلُ بِفَتْوَاهُ. وَمَسْأَلَةُ وُجُوبِ إفْتَاءِ الْمُفْتِي بِأَيِّ قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ قَدْ وَضَحَتْ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١٨٠١) فَلْيُرْجَعْ إلَيْهَا. وَفِي زَمَانِنَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ الْعَلِيَّةِ: دَائِرَةٌ لِلْفُتْيَا وَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إلَى دَائِرَتَيْنِ فَإِحْدَاهُمَا غُرْفَةُ الْفَتْوَى وَيَرْأَسُهَا الْمُوَظَّفُ الْمُسَمَّى بِرَئِيسِ الْمُسْوَدِّينَ وَأُخْرَاهُمَا تُسَمَّى غُرْفَةُ الْإِعْلَامَاتِ وَيَرْأَسُهَا مُمَيِّزُ الْإِعْلَامَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَفِي هَاتَيْنِ الْغُرْفَتَيْنِ يَشْتَغِلُ عَدَدٌ مِنْ الذَّوَاتِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ أَصْحَابِ الْيَدِ الطُّولَى فِي الْعُلُومِ الْآلِيَةِ وَالْعَالِيَةِ وَأَكْثَرُهُمْ مِنْ الْمُدَرِّسِينَ لِلْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَجَمِيعُ هَؤُلَاءِ هُمْ تَحْتَ نِظَارَةِ وَإِدَارَةِ الذَّاتِ الْمُسَمَّاةِ بِأَمِينِ الْفَتْوَى. وَيُعْتَنَى فِي الْأَكْثَرِ فِي انْتِخَابِ هَذَا الْحَبْرِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا فَوْقَ الْعَادَةِ وَفَقِيهًا وَمُتَوَرِّعًا وَفَاضِلًا. وَلَمْ تُشَكَّلْ دَارٌ لِلْفَتْوَى كَهَذِهِ لِلْإِفْتَاءِ قَبْلَ ظُهُورِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ فَالشَّرَفُ الْعَظِيمُ بِتَأْسِيسِ هَذِهِ الدَّارِ يَعُودُ إلَى هَذِهِ الدَّوْلَةِ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ تَأْسِيسِ دَارِ الْفَتْوَى أَنْ يَسْتَفْتِيَ الْمُسْتَفْتُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَيَعْمَلُوا بِالْفَتَاوِي الَّتِي يَسْتَحْصِلُونَ عَلَيْهَا وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي يُسْتَفْتَى فِيهَا مِنْ دَارِ الْفَتْوَى يُجَابُ عَلَيْهَا إمَّا شِفَاهًا أَوْ تَحْرِيرًا، وَالْجَوَابُ التَّحْرِيرِيُّ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، تُعْطَى الْفَتْوَى عَلَى ظَهْرِ وَرَقَةِ السُّؤَالِ عَلَى طَرِيقِ الشَّرْحِ.
وَهَذَا الشَّرْحُ بِخَتْمٍ مُمَيِّزِ الْإِعْلَامَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ شُعَبِ دَارِ الْفَتْوَى التَّابِعَةُ لَهَا. الْقِسْمُ الثَّانِي؛ تُعْطَى صُرَّةُ فَتْوَى شَرِيفَةٍ وَتَحْتَوِي عَلَى تَوْقِيعِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا فَتْوَى. وَالِاسْتِفْتَاءَات الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ مَحَاكِمِ الْآسِتَانَة الشَّرْعِيَّةِ وَمُلْحَقَاتِهَا تَحْصُلُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute