فَصِيَانَةً مِنْ إلْصَاقِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِ نَقُولُ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَادِقٌ فِي إنْكَارِهِ أَصْلَ الدَّيْنِ وَإِنَّ عَدَمَ حَلِفِهِ الْيَمِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى بَذْلِهِ وَفِدَاءُ الْمُدَّعَى بِهِ.
سُؤَالٌ - مَا دَامَ أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ وَفِدَاءٌ وَإِبَاحَةٌ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُدَّعَى بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ اُنْظُرْ مَادَّةَ (٥٧) مَعَ أَنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي تَصْدُرُ بِنَاءً عَلَى النُّكُولِ تُنَفَّذُ جَبْرًا؟ الْجَوَابُ - إنَّهُ وَإِنْ يَكُنْ النُّكُولُ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ هُوَ فِدَاءٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِدَاءً وَإِبَاحَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ هُوَ فِدَاءٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِقْرَارِ فَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَخْذُهُ جَبْرًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إيضَاحُ الْإِقْرَارِ - أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ فَنُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ هُوَ اعْتِرَافٌ بِمَعْنَى قَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّنِي مَدِينٌ لِلْمُدَّعِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ فِي إنْكَارِهِ السَّابِقِ وَعَلَى كُلٍّ فَإِذَا كَانَ النُّكُولُ بَذْلًا وَفِدَاءً فَيَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى بِهِ كَمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ إقْرَارًا فَهُوَ مُسَبَّبٌ لِلْحُكْمِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُوجَبِ الْمَادَّةِ " ٧٩ " مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ. وَإِذَا قَالَ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ أَحْلِفُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ أَبْطَلَ بِنُكُولِهِ حَقَّ تَحْلِيفِهِ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِقَوْلِهِ هَذَا الدُّرَرُ فِي الدَّعْوَى " أَيْ لَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى الْحُكْمِ السَّابِقِ.
إيضَاحُ الْقُيُودِ: بَعْدَ الْحُكْمِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالنُّكُولِ حُكْمُ الْقَاضِي فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ وَعَلَيْهِ فَإِذَا كَلَّفَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِحَلِفِ الْيَمِينِ وَنَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْحَلِفِ وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْلِفُ الْيَمِينَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ وَلَا يُقَالُ لَهُ بِمَا أَنَّك نَكَلْت عَنْ الْحَلِفِ فَقَطْ سَقَطَ حَقُّ الْيَمِينِ إذْ لَيْسَ فِي التَّحْلِيفِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ نَقْضٌ لِلْقَضَاءِ كَمَا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ فَسَادًا الدُّرَرُ ". أَمَّا إذَا حَكَمَ بِنُكُولٍ وَصَدَرَ الْإِعْلَامُ بِذَلِكَ ثُمَّ فُسِخَ أَوْ نُقِضَ الْحُكْمُ وَأُعِيدَتْ الْمُحَاكَمَةُ ثَانِيَةً وَأَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلِفَ الْيَمِينِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ إذَا كَانَ النَّقْضُ أَوْ الْفَسْخُ وَاقِعًا بِسَبَبِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّذِي كُلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِحَلِفِهِ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ، أَمَّا إذَا كَانَ النَّقْضُ أَوْ الْفَسْخُ لِأَسْبَابٍ أُخْرَى فَهَلْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَوْ إنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ مَرَّةً ثَانِيَةً بِنُكُولِ السَّابِقِ؟ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَلِفِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ لِلْحُكْمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إيجَادُ مَسْأَلَتِهِ. وَعَدَمُ إيجَابِ شَيْءٍ يَكُونُ النُّكُولُ بَذْلًا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْبَذْلَ أَيْ فِدَاءُ الْمَالِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِحُكْمِ الْقَاضِي. كَذَلِكَ لَا يُوجِبُ النُّكُولُ شَيْئًا لِكَوْنِهِ إقْرَارًا لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَذْلِ أَيْ إنَّ كَوْنَهُ بَدَلًا وَعِوَضًا عَنْ الْيَمِينِ لَا يُوجِبُ الْمَالَ بِانْفِرَادِهِ أَمَّا الْإِقْرَارُ الصَّرِيحُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَذْلِ فَهُوَ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهِ وَحَدِّ ذَاتِهِ وَلَا تَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي بِالنُّكُولِ وَالشَّهَادَةِ وَإِنَّ الْقَضَاءَ فِيهِ مَجَازٌ وَإِعَانَةٌ " ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute