للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ أَمْضَى لَيْسَ لِلثَّالِثِ نَقْضُهُ لِأَنَّ قَضَاءَ الثَّانِي هُوَ الَّذِي وَقَعَ مُجْتَهَدًا فِيهِ أَعْنِي قَضَاءَ الْأَوَّلِ (الْفَتْحُ) .

أَقُولُ هَذَا الْمِثَالُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا اخْتَارَتْهُ الْمَجَلَّةُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ. وَإِذَا ظَهَرَ لَدَى التَّحْقِيقِ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِأُصُولِهِ الْمَشْرُوعَةِ فَيُسْتَأْنَفُ أَيْ أَنَّهُ يُبْطِلُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَيَفْصِلُ فِي الْقَضِيَّةِ حَسَبَ أُصُولِهَا الْمَشْرُوعَةِ. سَوَاءٌ كَانَتْ عَدَمُ الْمُوَافَقَةِ لِأَسْبَابٍ ذَكَرَهَا الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَوْ كَانَتْ الْأَسْبَابُ الَّتِي بَيَّنَهَا الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرَ وَارِدَةٍ وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِلْأُصُولِ مِنْ جِهَةِ أَسْبَابٍ أُخْرَى لَمْ يُبَيِّنْهَا الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فَيَبْطُلُ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ. لِأَنَّ الْحُكْمَ الْغَيْرَ الْمُوَافِقِ لِلْأُصُولِ هُوَ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْعَدَالَةِ وَظُلْمٌ وَإِزَالَةُ الظُّلْمِ وَاجِبَةٌ وَتَقْرِيرُهُ؛ وَتَثْبِيتُهُ حَرَامٌ. وَقَدْ وُضِعَ فِي زَمَانِنَا أُصُولٌ لِكَيْفِيَّةِ اسْتِئْنَافِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَسَتُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ. وَبَعْدَ نَقْضِ الْحُكْمِ مِنْ دَائِرَةِ الْفَتْوَى الْعَالِيَةِ أَوْ مِنْ مَجْلِسِ التَّدْقِيقَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُحْكَمُ فِي الْقَضِيَّةِ مِنْ دَائِرَةِ الْفَتْوَى الْمَذْكُورَةِ أَوْ مِنْ الْمَجْلِسِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ لَمْ يَكُونَا حَائِزَيْنِ صَلَاحِيَّةَ الْقَضَاءِ فِي ذَلِكَ بَلْ تُرْسَلُ الْقَضِيَّةُ إلَى الْمَحْكَمَةِ الْأُولَى أَوْ تُحَالُ لِمَحْكَمَةٍ أُخْرَى لِيَحْكُمَ فِيهَا ثَانِيًا عَلَى أَنْ تُرَاعِيَ الْمَحْكَمَةُ الْأَسْبَابَ الَّتِي أَوْجَبَتْ نَقْضَ الْحُكْمِ.

تُذْكَرُ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ مِثَالًا عَلَى بَعْضِ الْإِعْلَامَاتِ الَّتِي نُقِضَ الْحُكْمُ فِيهَا لِعَدَمِ مُوَافَقَتِهَا لِأُصُولِهَا الْمَشْرُوعَةِ. ١ - قَدْ نُقِضَ الْإِعْلَامُ الْحَاوِي لِلْحُكْمِ الَّذِي صَدَرَ بِنَاءً عَلَى دَعْوَى وَصِيِّ صَبِيٍّ ادَّعَى فِيهَا أَنَّ لِلصَّبِيِّ الْمَذْكُورِ إرْثًا عَنْ أَبِيهِ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ وَكَانَتْ أَسْبَابُ نَقْضِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ هِيَ مَا يَأْتِي: أَوَّلًا: لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى ذِكْرُ السَّبَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مَوْرُوثًا وَكَانَ لِلْمُتَوَفَّى وَارِثٌ آخَرُ فَتَخْصِيصُ الصَّبِيِّ بِالْمَطْلُوبِ الْمَذْكُورِ هُوَ بِإِجْرَاءِ تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَتَخْصِيصُ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ بِالصَّبِيِّ مَعَ أَنَّ تَقْسِيمَ الدَّيْنُ بَاطِلٌ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ " ١١٢٣ ". ثَانِيًا: لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ عَلَى وَفَاةِ الْمُوَرِّثِ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِأَنَّ الْمُوَرِّثَ قَدْ عَيَّنَ هَذَا الْمُدَّعِي وَصِيًّا مَعَ لُزُومِ ذِكْرِ ذَلِكَ. ٢ - ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: إنَّنِي سَلَّمْت أَبَاك كَذَا وَدِيعَةً قِيمَتُهَا عَشْرَةُ دَنَانِيرَ وَلَمْ يُعِدْهَا إلَيَّ وَتُوُفِّيَ مُجْهِلًا وَأَثْبَتَ ذَلِكَ وَبَعْدَ التَّزْكِيَةِ حُكِمَ لِلْمُدَّعِي بِأَخْذِ عَشْرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ التَّرِكَةِ وَقَدْ نُقِضَ هَذَا الْحُكْمُ لِلسَّبَبِ الْآتِي. وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ وَشُهُودَهُ لَمْ يُبَيِّنُوا قِيمَةَ الْوَدِيعَةِ فِي زَمَنِ التَّجْهِيلِ أَيْ بَدَلَهَا حِينَ وَفَاةِ الْمُسْتَوْدِعِ مُجْهِلًا بَلْ بَيَّنُوا قِيمَتَهَا حِينَ الْإِيدَاعِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>