للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ حِصَانًا لِيَرْبِطَهُ أَمَامَ دَارِهِ، أَوْ لِيُجَنِّبَهُ، أَوْ اسْتَأْجَرَ ثِيَابًا لِيَضَعَهَا فِي بَيْتِهِ لِيَظُنَّ النَّاسُ أَنَّ لَهُ حِصَانًا، أَوْ ثِيَابًا نَفِيسَةً لِيَرَاهَا النَّاسُ وَيَظْهَرَ بِهَا بِمَظْهَرِ الْأَغْنِيَاءِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْعَيْنِ فِي الشَّرْعِ وَنَظَرِ الْعُقَلَاءِ.

وَلَا يَكْفِي لِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مَقْصُودَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي الشَّرْعِ وَنَظَرِ الْعُقَلَاءِ.

وَالْإِجَارَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَجِبُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَأْجُورِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ لِذَلِكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْإِجَارَةُ مَعْقُودَةً عَلَى مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، فَاسْتِئْجَارُ التُّفَّاحِ لِلشَّمِّ وَالْحُلِيِّ لِوَضْعِهَا فِي مَحَلٍّ مَنْظُورٍ مِنْ الْبَيْتِ فَاسِدٌ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعَارَةُ الْحُلِيِّ لِلتَّزَيُّنِ بِهَا وَهَذَا مَا تَخْتَلِفُ بِهِ الْإِعَارَةُ عَنْ الْإِجَارَةِ فَالْإِعَارَةُ فِيهِ جَائِزَةٌ وَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ.

وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ قَابِلَةً لِلْبَدَلِ وَبِهَذَا الْقَيْدِ تَخْرُجُ الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ النِّكَاحِ؛ فَإِنَّ مَنَافِعَ النِّكَاحِ (وَهِيَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ) الَّتِي يَقَعُ عَلَيْهَا النِّكَاحُ لَيْسَتْ إجَارَةً بَلْ تُسَمَّى نِكَاحًا (الْبَاجُورِيّ) .

حَتَّى إنَّ الْإِجَارَةَ يَجِبُ أَنْ تُعْقَدَ عَلَى مُدَّةٍ مُوَقَّتَةٍ أَيْ أَنَّ التَّوْقِيتَ فِي الْإِجَارَةِ لَازِمٌ بِعَكْسِ النِّكَاحِ؛ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّوْقِيتُ.

(تَكْمِلَةُ الْفَتْحِ. مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ)

وَبِقَوْلِ الْمَجَلَّةِ (الْمَنْفَعَةُ) أَشَارَتْ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ مِنْ ثَوْبٍ قُبَاءَ عَلَى أَنْ يَكُونَ قُمَاشُ الْكُمَّيْنِ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ.

وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ بَنَّاءً لِيَبْنِيَ لَهُ دَارًا عَلَى أَنْ تَكُونَ لَوَازِمُ الْبِنَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَيْسَتْ بَيْعَ عَيْنٍ (الْبَحْرُ) .

وَسَيَجِيءُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ٢٦٢ مَزِيدُ إيضَاحٍ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

قَوْلُهُ (مَعْلُومَةٌ) : الْعِلْمُ بِالْمَنْفَعَةِ يَكُونُ تَارَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَمَا فِي اسْتِئْجَارِ الدُّورِ لِلسُّكْنَى وَالْأَرَاضِي لِلزَّرْعِ كَمَا جَاءَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.

وَتَارَةً يَكُونُ بِالتَّسْمِيَةِ كَاسْتِئْجَارِ صَبَّاغٍ، أَوْ خَيَّاطٍ لِصَبْغِ ثَوْبٍ، أَوْ خِيَاطَتِهِ.

وَتَارَةً يَكُونُ بِالتَّعْيِينِ وَالْإِشَارَةِ وَذَلِكَ كَاسْتِئْجَارِ رَجُلٍ لِنَقْلِ حِمْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الرَّجُلُ إلَى مَحَلٍّ مُشَارٍ إلَيْهِ.

وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي الْمَوَادِّ ٤٥٢ و ٤٥٥ و ٤٥٦.

وَتُعَرَّفُ الْإِجَارَةُ بِثَلَاثَةِ تَعَارِيفَ:

الْأَوَّلُ: تَعْرِيفُ الْمَجَلَّةِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَقْيِيدِ كُلٍّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَالْعِوَضِ بِكَوْنِهِ مَعْلُومًا فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْهُولًا وَتَخْرُجُ بِذَلِكَ الْإِجَارَةُ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ الْبَحْثِ فِي الْمَوَادِّ (٤٥٠ و ٤٥١ و ٤٦٠) مَعَ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ.

وَيَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ أَيْضًا الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ لِلشُّيُوعِ الْأَصْلِيِّ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ ٤٢٩ فَإِذَا اعْتَبَرْنَا أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمُعَرَّفَةَ هُنَا هِيَ الصَّحِيحَةُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ لِلشُّيُوعِ الْأَصْلِيِّ الْمَارِّ ذِكْرُهَا وَلِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ تَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ لِأَغْيَارِهِ.

وَإِذَا اعْتَبَرْنَا أَنَّ الْمُعَرَّفَ هَهُنَا الْأَعَمُّ مِنْ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ تِلْكَ الْإِجَارَاتُ الْمُنْدَرِجَةُ تَحْتَهُ وَمِنْ ذَلِكَ الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ بِجَهْلِ الْبَدَلِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ لِأَفْرَادِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>