فَفِي إجَارَةِ الْأَجِيرِ الْفَاسِدَةِ، مَثَلًا: يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ عِنْدَ إتْمَامِهِ الْعَمَلَ الْأُجْرَةَ الْمَعْرُوفَةَ بَيْنَ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَيُعَيَّنُ أَجْرُ الْمِثْلِ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا مِنْ جِنْسِ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى فَالْإِجَارَةُ الَّتِي سُمِّيَ أَجْرُهَا مِنْ الْحِنْطَةِ، مَثَلًا: إذَا لَزِمَ أَجْرُ الْمِثْلِ فِيهَا بِفَسَادِهَا يُقَدَّرُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا مِنْ الْحِنْطَةِ هَذَا إذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ عَلَى مِقْدَارِ أَجْرِ الْمِثْلِ، أَمَّا إذَا اخْتَلَفُوا وَقَدَّرُوا تَقْدِيرًا مُتَفَاوِتًا فَيُؤْخَذُ وَسَطُ مَا قَدَّرُوهُ كَمَا لَوْ قَدَّرَ بَعْضُهُمْ أَجْرَ الْمِثْلِ اثْنَيْ عَشَرَ قِرْشًا وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ عَشَرَةً وَبَعْضُهُمْ أَحَدَ عَشَرَ فَحَقُّ الْأَجِيرِ حِينَئِذٍ أَحَدَ عَشَرَ.
قَوْلُهُ (السَّالِمِينَ مِنْ الْغَرَضِ) يُشْتَرَطُ أَلَّا يَكُونَ لِلْخَبِيرِ غَرَضٌ لِيَصِحَّ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ وَالْعَمَلُ بِرَأْيِهِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١٧٠٠) (كُفُوِي) .
وَهَذَا التَّقْدِيرُ الْمُبَيَّنُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَلْفَاظُ الشَّهَادَةِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ نِصَابُهَا.
أَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَدْ اشْتَرَطَ نِصَابَ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِ أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ.
وَنَذْكُرُ هَهُنَا بَعْضَ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا بِرَأْيِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِيمَا إذَا أَجَرَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ، أَوْ وَصِيُّ الْيَتِيمِ مَالَ الْوَقْفِ أَوْ مَالَ الْيَتِيمِ، وَادَّعَى الْمُسْتَأْجِرَانِ فِي هَذَا الْإِيجَارِ غَبَنًا فَاحِشًا فَفِي هَذِهِ الدَّعْوَى وَأَمْثَالِهَا لَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ مَا لَمْ يُرْجَعْ إلَى آرَاءِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَيُصَدَّقُوا بِالْغَبَنِ الْفَاحِشِ حَسَبَ الدَّعْوَى فَحِينَئِذٍ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ (رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ٤٤١) إذَا بَاعَ وَصِيُّ الْيَتِيمِ مَالًا لَهُ بِمَبْلَغٍ مَعْلُومٍ مِنْ آخَرَ فَادَّعَى الْغَبَنَ الْفَاحِشَ فِي بَيْعِهِ، وَطَلَبَ اسْتِرْدَادَ الْمَبِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (٣٥٦) .
فَيُسْأَلُ حِينَئِذٍ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِمْ وَتَقْدِيرِهِمْ فَإِنْ كَانَ هُنَالِكَ غَبَنٌ فُسِخَ الْبَيْعُ وَإِلَّا؛ فَلَا وَلَيْسَ لَفْظُ الشَّهَادَةِ شَرْطًا فِي قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِخْبَارِهِمْ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: تَعْيِينُهُ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَثَلًا وَصَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: تَعْيِينُهُ بِالشَّهَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الطَّرَفَانِ عَلَى مِقْدَارِ أَجْرِ الْمِثْلِ فَادَّعَى الْأَجِيرُ أَنَّهُ دِينَارَانِ وَادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الدِّينَارَ وَلَا يُكْتَفَى هُنَا فِي إخْبَارِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِغَيْرِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُمْ هَذَا شَهَادَةٌ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ سَائِرِ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ فِيهِ الَّتِي مِنْهَا التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَةِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١٦٧٥ وَمَا يَتْلُوهَا) .
فَإِذَا أَقَامَ كِلَا الطَّرَفَيْنِ شُهُودًا عَلَى مِقْدَارِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الزِّيَادَةِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١٧٦٢) .