كَانَ فِي سِنِّهِ أَلَمٌ وَقَاوَلَ الطَّبِيبَ عَلَى إخْرَاجِهِ بِخَمْسِينَ قِرْشًا ثُمَّ زَالَ الْأَلَمُ بِنَفْسِهِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَكَذَلِكَ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِوَفَاةِ الصَّبِيِّ، أَوْ الظِّئْرِ وَلَا تَنْفَسِخُ بِوَفَاةِ الْمُسْتَرْضِعِ.
قَوْلُهُ (لِإِجْرَاءِ مُوجَبِ الْعَقْدِ) : أَيْ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَمُوجَبُ بِصِيغَةِ اسْم الْمَفْعُولِ.
قَوْلُهُ (لَوْ حَدَثَ عُذْرٌ مَانِعٌ) : كَأَنْ لَا يَبْقَى مَحَلٌّ لِإِجْرَاءِ مُوجَبِ الْعَقْدِ.
إنَّ الْمَادَّةَ (٥٨٠) فَرْعٌ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ كَمَا سَتَعْلَمُ فِي شَرْحِهَا.
لِذَلِكَ الْمَانِعِ أَنْوَاعٌ عِدَّةٌ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: إذَا كَانَ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ بِالنَّفْسِ أَوْ الْمَالِ فَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْمَنَافِعُ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ وَذَلِكَ الْعُذْرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَدْ جَازَ فَسْخُهَا لِأَجْلِ الْعُذْرِ (الزَّيْلَعِيُّ) .
تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ إذَا اسْتَلْزَمَتْ ضَرَرًا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ لَا يَجُوزُ تَحْمِيلُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ ضَرَرًا لَا يَقْتَضِيهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ.
(رَاجِعْ الْمَادَّةَ ١٩) وَيَتَفَرَّعُ عَنْ هَذَا بَعْضُ مَسَائِلَ نَذْكُرُهَا فِيمَا يَلِي:
١ - لِلْأَجِيرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ إذَا كَانَتْ مِمَّا تُؤَدِّي إلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ بِدُونِ عِوَضٍ كَمَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ خَطَّاطٌ لِكِتَابَةِ كِتَابٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْوَرَقُ وَالْحِبْرُ مِنْهُ؛ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ وَيَمْتَنِعَ عَنْ كِتَابَةِ الْكِتَابِ الَّذِي كُلِّفَ بِهِ (الْهِنْدِيَّةُ) .
٢ - لِلْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا عَلِمَ أَنَّ مُسْتَأْجِرَ أَرْضِ الْوَقْفِ يُنْكِرُ كَوْنَهَا وَقْفًا وَاشْتَبَهَ فِي أَنَّهُ يُرِيدُ ضَيَاعَ الْوَقْفِ لِيَتَمَلَّكَهُ (التَّنْقِيحُ) .
لَوْ اُسْتُؤْجِرَ طَبَّاخٌ لِطَبْخِ طَعَامِ الْعُرْسِ فَتُوُفِّيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ تَخَالَعَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَا حَاجَةَ لِفَسْخِهَا مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ امْتَنَعَ بِذَلِكَ إجْرَاءُ مُوجَبِ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِطَبْعِهَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمُتَوَفَّى هُوَ الزَّوْجُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُوْفِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالزَّوْجَةُ هِيَ الْمُتَوَفَّاةُ؛ لَكَانَ لِغَيْرِ مَا عُقِدَ لِأَجْلِهِ الْعَقْدُ وَفِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنْ يُلْحِقَ الضَّرَرَ بِمَالِ الزَّوْجِ (الدُّرَرُ) .
كَذَلِكَ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَلَوْ لَمْ يُتَوَفَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ؛ إذْ لَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ وَإِطْعَامِ مَنْ لَا يَحْمَدُونَهُ بَلْ يُلْحِقُونَ بِهِ ضَرَرًا (الشُّرُنْبُلَالِيُّ) .
٤ - إذَا اسْتَأْجَرَ بَنَّاءً لِلْبِنَاءِ أَوْ حَرَّاثًا لِلزِّرَاعَةِ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ؛ فَلَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعَقْدِ مُوجِبٌ لِإِتْلَافِ مَالِهِ.
هَذَا الشَّرْحُ لَيْسَ مُنَافِيًا لِلْمِجَلَّةِ إذْ يُفِيدُ قَوْلَهَا (تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ) إنَّ الْأَعْذَارَ الْمَذْكُورَةَ أَعْذَارٌ تَجْعَلُهَا تَنْفَسِخُ بِنَفْسِهَا.