يَلْزَمُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ:
١ - قَدْ مَرَّ بَيَانُهُ آنِفًا وَصَارَ تَوْضِيحُهُ فِي الشَّرْحِ.
٢ - إنَّ الْإِجَارَةَ الَّتِي تُعْقَدُ عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ الْمَأْجُورَةَ فَاسِدَةٌ وَيَلْزَمُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ (الشُّرُنْبُلَالِيُّ) .
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَنْقُصُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَنْ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى. وَوَجْهُ فَسَادِ الْإِجَارَةِ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْكُنْ الْمُسْتَأْجِرُ فَفِي ذَلِكَ نَفْعٌ لِلْمُؤَجِّرِ إذْ إنَّهُ لِعَدَمِ سُكْنَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا تَمْتَلِئُ الْبِئْرُ وَالْبَالُوعَةُ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْجُورِ حُفْرَةُ بَالُوعَةٍ وَمُتَوَضَّأٌ لَا تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَقَدْ جَاءَ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ مَا يَأْتِي: وَوَجْهُهُ أَنَّ شَرْطَ عَدَمِ السُّكْنَى فِيهِ نَفْعٌ لِلْمُؤَجِّرِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَقَدْ جَعَلَهُ مَعَ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى بَدَلَ الْإِجَارَةِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ أَجَرَ دَارِهِ بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يُرَمِّمَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَأَضْحَى بَعْضُ الْأَجْرِ مَجْهُولًا لِصَيْرُورَةِ الْأَجْرِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْأُجْرَةِ فَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ جَهَالَةَ الْبَعْضِ كَجَهَالَةِ الْكُلِّ، إنَّمَا فَسَدَ هَذَا الْعَقْدُ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِرَبِّ الدَّارِ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْكُنْ فِيهَا لَا تَمْتَلِئُ الْبَالُوعَةُ وَالْمُتَوَضَّأُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ بَالُوعَةٌ أَوْ بِئْرُ وُضُوءٍ لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ لِعَدَمِ مَا قُلْنَا وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْوَارِدَةِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٤٦٠) سَبَبٌ آخَرُ لِلْفَسَادِ وَذُكِرَ أَنَّ الْإِجَارَةَ بِشَرْطٍ كَهَذَا هُوَ مَا مَنَعَ لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ.
إذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ دَارًا وَقَدْ سَمَّى الْبَدَلَ عَيْنًا مُعَيَّنَةً وَبَعْدَ أَنْ سَكَنَ فِي الدَّارِ هَلَكَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَاسْتَهْلَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ لَزِمَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ (الْهِنْدِيَّةُ، الْأَنْقِرْوِيّ، الْبَزَّازِيَّةُ) .
أَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَفَسَادُ الْإِجَارَةِ لَيْسَ بِنَاشِئٍ عَنْ مَجْهُولِيَّةِ الْبَدَلِ وَإِنَّمَا هُوَ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ وُجُودِ بَعْضِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ الْأُخْرَى مَعَ كَوْنِ الْبَدَلِ مَعْلُومًا وَذَلِكَ كَالشَّرْطِ الْفَاسِدِ أَوْ الشُّيُوعِ الْأَصْلِيِّ أَوْ جَهَالَةِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَذَلِكَ الِانْتِفَاعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ ٤٧١ فَيَلْزَمُ أَجْرُ الْمِثْلِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى (أَشْبَاهٌ) وَرِضَاءُ الْعَاقِدَيْنِ بِالْأَجْرِ الْمُسَمَّى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى لِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ فَالْإِسْقَاطُ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ التَّسْمِيَةِ لَكِنْ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهَا لِرِضَائِهِ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ وَعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَنَافِعِ فِي نَفْسِهَا (الْكِفَايَةُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ) (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٥١)) .
أَجَلْ فَالْوَاقِعُ أَنَّ هَذَا الْإِسْقَاطَ وَقَعَ ضِمْنَ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَكَانَ مِنْ اللَّازِمِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (٥٢) لَكِنْ بِمَا أَنَّ الْمَنَافِعَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فَالْإِسْقَاطُ لَا يَكُونُ بَاطِلًا أَوْ فَاسِدًا وَجَازَ تَنْقِيصُ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (٥٢) فَاسِدَةً فَقَدْ فَسَدَ مَا فِي ضِمْنِهَا وَهِيَ التَّسْمِيَةُ أَيْ تَعْيِينُ بَدَلِ الْإِيجَارِ (التَّنْوِيرُ وَالدُّرُّ الْمُخْتَارُ، رَدُّ الْمُحْتَارِ، وَالشِّبْلِيُّ، وَالزَّيْلَعِيّ) .
وَقَدْ قَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا فَتَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ عِنْدَ تَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى كَمَا فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ. كَمَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْأُجْرَةِ أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يَسْتَدْعِي سَابِقِيَّةَ الْإِحْرَازِ وَمَا لَا بَقَاءَ لَهُ لَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ فَلَا يُتَقَوَّمُ وَإِنَّمَا تَقَوَّمَتْ بِالْعَقْدِ شَرْعًا لِضَرُورَةِ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَإِذَا لَزِمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute