هَذَا وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ يُحَقَّقُ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ عَمَّا يَقْصِدُ بِهَا وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْبَرُ مِنْهُمْ عُدُولًا مَوْثُوقِي الشَّهَادَةِ، وَقَدْ قَالَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْإِشَارَةَ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ الْأَخْرَسِ عَلَى نَوْعَيْنِ:
الْأَوَّلُ: تَحْرِيكُ الْأَخْرَسِ رَأْسَهُ عَرْضًا، فَهَذِهِ الْإِشَارَةُ إشَارَةُ الْإِنْكَارِ.
الثَّانِي: تَحْرِيكُ الْأَخْرَسِ رَأْسَهُ طُولًا، وَهِيَ إشَارَةُ الْإِقْرَارِ.
وَهَاتَانِ الْإِشَارَتَانِ إذَا كَانَتَا مَعْرُوفَتَيْنِ لِلْأَخْرَسِ تُعَدُّ الْأُولَى إذَا صَدَرَتْ مِنْهُ إنْكَارًا وَالثَّانِيَةُ إقْرَارًا، عَلَى أَنَّ الْأَخْرَسَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ فَكِتَابَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ كَإِشَارَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ. وَقَدْ قُيِّدَتْ الْإِشَارَةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِالْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (١٥٨٦) لَا تُعْتَبَرُ إشَارَةُ النَّاطِقِ، كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِنَاطِقٍ: هَلْ لِفُلَانٍ عَلَيْكَ كَذَا دَرَاهِمَ.؟ فَلَا يَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالدَّرَاهِمِ إذَا خَفَضَ رَأْسَهُ، كَذَا لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مَالَ شَخْصٍ نَاطِقٍ فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ، وَبَيْنَمَا هُوَ يُفَكِّرُ وَيَتَأَمَّلُ خَاطَبَهُ شَخْصٌ بِقَوْلِهِ: هَلْ تُجِيزُ الْبَيْعَ.؟ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ طُولًا عَلَامَةَ الْمُوَافَقَةِ لِلْأَخْرَسِ، فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْهُ إجَازَةً لِلْبَيْعِ. وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ فِي الْأَشْبَاهِ، وَهِيَ كَمَا يَأْتِي: الْإِشَارَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ مُقَيَّدَةٌ وَقَائِمَةٌ مَقَامَ الْعِبَارَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ، وَهِبَةٍ وَرَهْنٍ، وَنِكَاحٍ، وَطَلَاقٍ، وَإِبْرَاءٍ، وَإِقْرَارٍ، وَقِصَاصٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحِقُّ لِلْأَخْرَسِ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْهُودَةِ أَنْ يَأْتِيَ كُلَّ مَا يَأْتِيهِ النَّاطِقُونَ، يَعْقِدُ أَيَّ عَقْدٍ أَرَادَ، يُجِيزُ، وَيُقِرُّ، وَيَنْكُلُ عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ، وَيُوَكِّلُ بِإِدَارَةِ أُمُورِهِ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (١٧٤ وَ ٤٣٦ وَ ١٥٨٦) هَذَا وَإِذَا نُظِمَتْ وَصِيَّةُ الْأَخْرَسِ بِحُضُورِهِ، وَخَاطَبَهُ الْحَاضِرُونَ قَائِلِينَ لَهُ هَلْ نَشْهَدُ عَلَيْك، فَأَشَارَ بِتَحْرِيكِ رَأْسِهِ الْحَرَكَةَ الْمُتَعَارَفَةِ بِأَنَّهَا إشَارَةٌ لَهُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ، يَكُونُ قَدْ أَوْصَى بِمَا فِي الْوَصِيَّةِ، بَيْدَ أَنَّ الْخَرَسَ عَلَى نَوْعَيْنِ (١) خَرَسٌ أَصْلِيٌّ (٢) وَخَرَسٌ عَارِضٌ. وَبِمَا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ذِكْرُ الْأَخْرَسِ بِدُونِ تَعْيِينٍ فَهِيَ شَامِلَةٌ لِلِاثْنَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْمَادَّةِ حَقِيقَةً هُوَ الْخَرَسُ الْأَصْلِيُّ وَالْخَرَسُ الْعَارِضُ يُسَمَّى (اعْتِقَالَ اللِّسَانِ) وَهُوَ يَحْدُثُ لِلْإِنْسَانِ بِمَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ سُقُوطٍ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا زَالَ فَانْطَلَقَ اللِّسَانُ، وَلَمَّا كَانَتْ الْإِشَارَةُ إنَّمَا جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ انْطِلَاقِ اللِّسَانِ، فَإِشَارَةُ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ لَا تُعْتَبَرُ، وَلَا تُتَّخَذُ حُجَّةً بِحَقِّهِ، وَلَكِنْ إذَا اسْتَدَامَ الِاعْتِقَالُ فِي إنْسَانٍ حَتَّى مَوْتِهِ، فَإِقْرَارُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ يَكُونُ مُعْتَبَرًا، كَمَا لَوْ كَانَ أَخْرَسَ أَصْلِيًّا. عَلَى أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتَهُ إنَّمَا تُعْتَبَرَانِ وَتُتَّخَذَانِ حُجَّةً فِي الْمُعَامَلَاتِ الْحُقُوقِيَّةِ فَقَطْ، فَشَهَادَةُ الْأَخْرَسِ إشَارَةً وَكِتَابَةً لَا تُعْتَبَرُ فِي الْعُقُوبَاتِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ " وُجُوبِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute