فَهُمَا مُتَّفِقَتَانِ فِي الْفَرْضِ وَالْقَصْدِ أَيْ فَلْيَكُنْ وَجْهُ الِاسْتِعَارَةِ فِيهِمَا قَصْدُ تَوْثِيقِ الدَّيْنِ، (شَرْحُ الْهِدَايَةِ لِمَوْلَانَا اللَّهِ دَادَ الْهِنْدِ، وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ) .
فَلَوْ قَالَ أَحَدٌ لِلْمَدِينِ: أُحِلُّ بِمَالِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ عَلَى فُلَانٍ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ أَنْتَ ضَامِنًا أَيْضًا فَأَحَالَهُ الْمَدِينُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَبِلَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ طَلَبَهُ مِمَّنْ شَاءَ.
وَكَمَا أَنَّ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ مَطْلُوبَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِحَسَبِ كَفَالَتِهِ يَأْخُذُ الْمَدِينُ الْمُحِيلَ لِسَبَبِ كَوْنِهِ أَصِيلًا (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٦٤٤) وَإِلَّا فَيَجْرِي فِي هَذِهِ الْحَوَالَةِ حُكْمُ الْمَادَّةِ (٦٩٠) أَيْ عَدَمُ صَيْرُورَةِ الْمُحِيلِ بَرِيئًا مِنْ الدَّيْنِ.
وَفِي الْكَفَالَةِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ.
لَكِنْ بِمَا أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْمَادَّةِ (٦٢١) أَنَّ الْكَفَالَةَ تَنْعَقِدُ وَتَنْفُذُ بِدُونِ الْقَبُولِ وَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ مَعْدُودَةٌ مِنْ الْكَفَالَةِ فَتَنْعَقِدُ الْكَفَالَةُ بِهَا وَتَنْفُذُ بِالْإِيجَابِ فَقَطْ. مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ: (قَبِلْت الْحَوَالَةَ بِعَشْرِ جُنَيْهَاتٍ دَيْنًا عَلَيَّ لِعَمْرٍو عَلَى أَنْ يَكُونَ عَمْرٌو ضَامِنًا) تَنْعَقِدُ الْكَفَالَةُ وَتَنْفُذُ.
وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا أَنَّ الْحَوَالَةَ الَّتِي تَقَعُ حَسَبَ هَذِهِ الْمَادَّةِ تَكُونُ كَفَالَةً وَلَكِنْ مَنْ مِنْهُمَا الْكَفِيلُ وَالْأَصِيلُ؟ فَهَذَا لَمْ يُبَيَّنْ هُنَا. وَقَدْ ذَكَرَ فِي إحْدَى شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْكَفِيلَ فِي الْحَوَالَةِ الَّتِي تَقَعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَالْأَصِيلَ هُوَ الْمُحِيلُ (الْمَكْفُولُ عَنْهُ) وَعِبَارَةُ الْعَيْنِيِّ (كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ - وَهِيَ نَقْلُ دَيْنٍ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِهَا أَيْ بِالْحَوَالَةِ الْمُحِيلُ وَهُوَ الْمَدِينُ - كَفَالَةً فَحِينَئِذٍ لِلطَّالِبِ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ أَوْ الْمُحِيلَ؛ لِأَنَّهَا كَفَالَةٌ فَيَتَخَيَّرُ فِي طَلَبِ أَيُّهَا شَاءَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَوْ طَالَبَ إلَخْ) وَقَدْ قَبِلَتْ دَارُ الْفَتْوَى هَذَا الْوَجْهَ. وَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٣) .
وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ الدَّيْنُ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ كَفَالَةُ الْمُحِيلِ بِذَلِكَ الدَّيْنِ وَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ آخَرَ وَهَذَا لَيْسَ لَهُ مَعْنًى وَفَائِدَةٌ، مُطْلَقًا أَيْ بِمَا أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ هُنَا ضَمُّ ذِمَّةٍ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُحِيلِ كَفِيلًا وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ أَصِيلًا. وَفِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ الضَّرُورِيِّ هُنَا أَنْ نَقُولَ: إنَّ الْكَفِيلَ هُوَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ. لَكِنْ إذَا قِيلَ: إنَّ الْكَفِيلَ هُوَ الْمُحِيلُ اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ عَقْدَانِ أَيْ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَنْعَقِدُ بِقَوْلِ: (أَحَلْتُك عَلَى فُلَانٍ) وَبِذَلِكَ يَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَبِقَوْلِهِ (عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ) يُصْبِحُ الْمُحِيلُ كَفِيلًا وَإِذْ لَا يَكُونُ الْمُحِيلُ بِذَلِكَ كَفَلَ دَيْنَ نَفْسِهِ. بَيْدَ أَنَّهُ لِأَجْلِ انْتِقَالِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ قَبُولُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْمَادَّةُ مُتَفَرِّعَةً عَلَى قَاعِدَةِ (الِاعْتِبَارِ لِلْمَعَانِي، لَا لِلْأَلْفَاظِ وَالْمَبَانِي) وَالْحَالُ قَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْبَحْرِ عَلَى كَوْنِهَا مُتَفَرِّعَةً عَنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَعِبَارَةُ الْعَيْنِيِّ هِيَ: قَوْلُهُ إلَّا إذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ حَوَالَةً كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِهَا الْمُحِيلُ كَفَالَةٌ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى فِيهِمَا مَجَازًا لَا لِلَّفْظِ وَإِذَا صَارَتْ حَوَالَةً تَجْرِي فِيهَا أَحْكَامُهَا وَكَذَا فِي عَكْسِهِ تَجْرِي أَحْكَامُ الْكَفَالَةِ انْتَهَى.
لَكِنْ قَدْ جَاءَ فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ قَوْلُهُ: بَرِئَ الْمُحِيلُ بِالْقَبُولِ مِنْ الدَّيْنِ غَيْرُ شَامِلٍ لِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute