لَكِنَّ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ بِإِبْرَاءِ الطَّالِبِ الْأَصِيلَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ بِهِبَتِهِ لَهُ هِيَ فِي الْكَفَالَةِ الْمَالِيَّةِ (أَشْبَاهٌ) وَلَيْسَ فِي الْكَفَالَةِ النَّفْسِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لِلطَّالِبِ بَعْدَ أَنْ يُقِرَّ بِأَنْ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمَكْفُولِ بِهِ حَقٌّ، فَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ إحْضَارَهُ لِحَقٍّ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْوِلَايَةِ. (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَمِثْلُهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْكَفَالَةِ) .
مَا لَمْ يَقُلْ الْمَكْفُولُ لَهُ مُبْرِئًا إيَّاهُ (لَيْسَ لِي عَلَى الْأَصِيلِ حَقٌّ أَسْتَحِقُّهُ لَا لِنَفْسِي وَلَا مِنْ جِهَةِ مُوَكِّلِي وَلَا مِنْ جِهَةِ الْوَقْفِ الَّذِي أَنَا مُتَوَلٍّ عَلَيْهِ وَالْيَتِيمِ الَّذِي أَنَا وَصِيُّهُ) وَبِالْإِبْرَاءِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ النَّفْسِيَّةِ كَمَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١٦٠) .
وَلِتَوْضِيحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ بِمِثَالَيْنِ: أَوَّلًا - لَوْ كَفَلَ أَحَدٌ لِآخَرَ أَلْفَ قِرْشٍ دَيْنًا لَهُ عَلَى شَخْصٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ أَدَّى الْمَدِينُ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ لِلدَّائِنِ فَكَمَا يَبْرَأُ الْمَدِينُ مِنْ الدَّيْنِ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمَادَّتَيْنِ (٦٥٩ و ٦٦٣) .
ثَانِيًا - وَإِذَا أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ مِنْ دَيْنِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْهُ كَمَا بَرِئَ الْمَدِينُ الْأَصِيلُ، وَتُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ هَذِهِ الْمَادَّةِ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - إذَا حَلَفَ الْأَصِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ أَوْفَاهُ قَبْلَ الْكَفَالَةِ فَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ مِنْ الدَّيْنِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ مِنْهُ (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ٦٥٩) مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ بِلَا أَمْرٍ: (أَنَا كَفِيلٌ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ قِرْشٍ لَهُ عَلَى فُلَانٍ) وَبَعْدَئِذٍ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ الشَّخْصُ الدَّائِنُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَدِينِ فَبَيَّنَ الْمَدِينُ أَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُطْلَقًا، وَحَلَفَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْيَمِينَ لَدَى عَجْزِ الْمُدَّعِي عَنْ الْإِثْبَاتِ بَرِئَ ذَلِكَ الشَّخْصُ مِنْ الْأَلْفِ قِرْشٍ، لَكِنَّ الْكَفِيلَ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ وَيُطَالَبُ بِمُوجِبِهِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ يُفِيدُ بَرَاءَةَ الْحَالِفِ حَسْبُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
جَاءَ قَوْلُهُ: (بِلَا أَمْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ اُكْفُلْ أَلْفَ قِرْشٍ عَلَيَّ لِفُلَانٍ، يَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَلَا يُعْتَبَرُ وَلَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ بَعْدُ لَيْسَ عَلَيَّ دَيْنٌ أَوْ إنَّنِي أَدَّيْتُ ذَلِكَ الدَّيْنَ قَبْلَ الْكَفَالَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - إذَا ادَّعَى الْمَدِينُ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ أَنَّهُ كَانَ مَدِينًا لِلْمَكْفُولِ لَهُ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَلَكِنَّهُ أَوْفَاهُ إيَّاهُ قَبْلَ كَفَالَةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَأَثْبَتَ مُدَّعَاهُ بَرِئَ الْأَصِيلُ دُونَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ أَنَّ الْأَلْفَ عَلَى الْأَصِيلِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَجَاءَ (قَبْلَ الْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ أَوْفَاهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بَرِئَ الْأَصِيلُ، وَالْكَفِيلُ مَعًا، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٨٧) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - أَنَّ لُزُومَ بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكْفُلْ الْكَفِيلُ (بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ) أَمَّا إذَا كَفَلَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ حَوَالَةٌ (اُنْظُرْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute